الحالة الدينية المصرية: بؤس الوصف والخطاب الطائفي نبيل عبدالفتاح نذر وغيوم كثيفة تبدو في الأفق السياسي والديني الإسلامي المسيحي المصري وتوصف غالبا في الخطاب السياسي الديني بالفتنة الطائفية وهو مصطلح ديني وضعي وعرقي المصدر ويفتقر إلي الدقة بل ويذكي الإدراك الجمعي بالطائفية!. أود في البداية أن أحدد كيف يمكن وصف حالتنا الدينية المحتقنة حاليا هل نطلق عليها وصف التوتر الديني الإسلامي المسيحي أم الفتنة الطائفية أو المسألة الطائفية أم أزمة دينية أم أزمة اندماج قومي وصف التوتر الديني مستمد من اللغة النفسية ومن ثم يشير إلي عدم الاستقرار النفسي ويثير الإحساس بالقلق' الفردي' والجماعي. ولا يعني البعد النفسي الداخلي نفي البعد السوسيو نفسي والمادي ومن ثم انتقال التوتر من البنية النفسية' الفردية' والأحري الشخصية والجماعية إلي أشكال سلوكية أو لغوية تتمثل في العنف اللغوي والعنف الخطابي من حيث سيادة ألفاظ متفجرة أو لغة نافية للآخر الديني أو تحقر من شأنه أو تنسب إليه صفات سلبية وقدحية أو تحوله إلي شيطان رجيم موشوم بالخطايا إلي آخر هذا النمط من العنف الخطابي أو اللغوي وسواء ظهر في خطابات العوام أو بعض رجال الدين. ويظهر التوتر المشوب بالعنف الخطابي في الخطابات المزدوجة أي الخطاب المعلن والخطاب المضمر ولكليهما مجاله ودائرة إستهلاكه. التوتر في مراحله الأولي يكون تحت إمكانية السيطرة والتوجيه عبر آليات عديدة عبر حل مصادر إنتاجه أو يتحول بعدئذ إلي عنف لغوي أو خطابي ثم إلي أشكال من العنف المادي كالاعتداء علي الأفراد أو الممتلكات أو دور العبادة أو رجال الدين إلي آخر هذا النمط من العنف ذي الوجه الديني. التوتر وصف لا يمايز بين الأطراف التي يعتريها وإنما يترك ذلك لعملية رصد وتحليل الوقائع والأشكال المعبرة عن التوتر الجماعي أو' الفردي' ومن ثم للنتائج المستخلصة منها. التوتر الديني الإسلامي المسيحي لم يعد حالة طارئة وإنما بات يشكل أزمة دينية دينية مستمرة مصحوبة ومولدة لاحتقانات دينية واجتماعية وثقافية وسياسية. أن مظاهر ووقائع وتجسيدات الأزمة الدينية الممتدة في مصر عديدة ذات جذور تاريخية وهيكلية وخطابية وتشير إلي مؤشرات بالغة الخطورة عن احتمالات انتقالها من أزمة دينية ثم إلي وضعية المسألة الدينية المصرية وهو منحي يقود إلي ما هو أخطر الا وهو تحولها إلي أزمة طائفية ثم مسألة طائفية عرقية. ثمة ما يجعلنا نتحفظ منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي وحتي أزمة دير أبو فانا وما بعد ذلك علي أننا إزاء أزمة أو مسألة أو حالة طائفية مصرية لأسباب عديدة: 1 مصطلح طائفة وطائفي يفترض وجود جماعية عرقية دينية تنضوي تحت نطاق بنية هيراكية ونمط علاقات شبه إقطاعي وإيديولوجيا تدور حول الطائفة العرق وتاريخها ودورها وبنية هيراكية ونمط علاقات داخلية ينطوي علي التعاضد والتضامن والاندماج الداخلي والتعامل شبه الجماعي مع الطوائف أو الجماعات الآخري علي أساس المحاصصة الطائفية في إطار نظام للتمثيل الطائفي علي النمط اللبناني. غالبا ما تكون الطائفة جزءا من خريطة جيو طائفية علي نمط الوجود الماروني والدرزي في جبل لبنان والشيعة في الجنوب والبقاع الأوسط وضاحية بيروت الجنوبية والسنة في طرابلسوبيروت... إلخ. 2 رغما عن مطالبات بعض رجال الدين الأقباط وبعض العلمانيين لتمثيل سياسي علي أسس طائفية أو عبر نظام الحصة إلا أن هذا الاتجاه ذي المحمول' الطائفي' والمرجع اللبناني يواجه بالرفض من كثيرين وذلك إعمالا لتقاليد الحركة الوطنية الدستورية التي رفضت التمثيل الطائفي منذ1923 وإلي الآن ولأن التمثيل الطائفي يؤدي إلي اندماج الأقباط كطائفة دينية ومذهبية مندمجة بكل مخاطر ذلك علي الاندماج القومي. لابد من حل جذري لمشكلة المشاركة السياسية للأقباط وتكوين زمر سياسية قبطية مدنية تتوزع علي الخريطة السياسية والإيديولوجية المدنية وليس علي أساس كونهم أقباطا وإنما علي أساس سياسي واجتماعي وفكري وبما يؤدي إلي إعادة بناء هيكل التوازنات في القوة بين إكليروس تنامي دوره السياسي علي حساب الأغلبية الساحقة من المواطنين الأقباط بما يشكل انقلابا علي تقاليد الدولة الأمة المصرية ومواريث الحياة السياسية المدنية والأكليروس تاريخيا. وهنا نقول أن ما للأكليروس للأكليروس وما للسياسة للسياسيين أنها قاعدة عامة تسري علي الكافة أيا كانوا. 3 أن الدولة الحديثة وتطوراتها والصراع السياسي الاجتماعي والتطور الثقافي أدي إلي إنتاج الأمة المصرية بالمعني والدلالة والتجليات الحداثوية وهو أهم إنجازات المصريين. لا يزال جوهر مفهوم الأمة قائم رغما عن التآكل ومحاولة بعضهم إحلال الرابطة الدينية والمذهبية بديلا عن الأمة من كافة الأطراف الفاعلة في المجال الديني والتي تحاول توظيف الديني في السياسي. نحن الآن إزاء أزمة دينية إسلامية مسيحية مصرية ممتدة ولسنا إزاء مسألة طائفية وهي مرشحة للمزيد من التفاقم ولن تكون أخرها حادثة دير أبوفانا وغيرها من الوقائع الاجتماعية اليومية كالعلاقات العاطفية والزوجية بين مختلفي الدين وهو حق دستوري وقانوني لكليهما وسرعان ما يتم اللجوء إلي الآليات الدينية- الطائفية لإعادة الفتاة إلي أسرتها أو وقائع محدودة لتغيير الدين أو المذهب وسرعان ما يحاول بعضهم التحريض والحشد لاستعادة من غير دينه قسرا بما يناهض القواعد الدستورية الخاصة بحرية التدين والاعتقاد والضمير والأخطر محاولة سلب ضمير قلق سكن عند عقيدة أو مذهب محدد. أن استعراضات القوة لعبة يرمي من خلالها بعضهم إبراز غيرة شكلية في الدفاع عن ديانته أو مذهبه ولكن ما وراء ذلك مسعي لبناء قوة داخل جماعته أو مذهبه وإنتاج شعبية وسلطة علي الإتباع عوامهم وبعض خاصتهم! أفي سبيل مصلحة ذاتية يسمح لهذا النمط من ذوي المصالح الدفع لإشعال الحرائق وكسر التكامل الوطني المصري!. أن ترك الأمور علي ما هي عليه بالغ الخطورة علي سلامة الأمة والدولة ولاسيما في ظل عمليات التمزق والتشظي علي أسس عرقية ودينية ومذهبية كما يظهر في بعض الخطابات العرقية النوبيين والسيناويين والصعايدة وآخري علي أساس نوعي أو جنوسي تدور في أطر معزولة عن بعضها بعضا ودونما ربطها وايجاد حلول لها في اطار القضايا الكلية السياسية والاجتماعية والتنموية والديموقراطية. أن غياب رؤية شاملة تنتظم داخلها المطالب الدينية والمذهبية العرقية والجنوسية ضمن إطار المواطنة سوف يؤدي إلي تسارع انهيار تقاليد الحداثة السياسية والقانونية بل ويؤدي إلي تقويض هندسة الدولة الأمة وتحويل التوتر الديني الإسلامي المسيحي بين المصريين إلي مسألة طائفية وهو أمر قريب وخطير وساعتها لن تجدي تظاهرات بعضهم هنا أو في المهجر ولن تجدي خطابات المجاملة' والفتنة' نائمة لعن الله من أيقظها! الفتنة صناعة اجتماعية وسياسية ومذهبية ويجب التصدي لها عند الجذور والأهم من خلال المواطنة الكاملة والمعالجة الحقوقية وفرض قانون الدولة علي جميع المخاطبين بأحكامه دون استثناء وبعزم سياسي وحسم أمني رادع بحيدة ونزاهة وأنصاف حتي يعرف الجميع أن رجال الدين أيا كانوا يطالهم القانون حال خروجهم علي أحكامه وأن قانون القوة الأكثري العددي الذي شاع كنتاج للتراخي والخلط بين المفاهيم الحديثة والتقليدية والأعراف والتأويلات المغلوطة لن يسري بعد اليوم لأن السيادة للدولة وقانونها الحديث. ثمة حاجة موضوعية وتاريخية الآن لتطبيق المادة الأولي من الدستور واعمال مبادئ دولة المواطنة والمواطنين والأهم تجديد النظم القانونية لرفع أية تمييزات بين المواطنين علي أية أسس مائزة تفرق بينهم وتشرخ الأمة المصرية الواحدة الموحدة وسلامتها ووحدتها التي يحاول بعضهم شقها علي أساس ديني وعرقي. أنها ساعة للعمل والحسم والردع باسم سيادة قانون الدولة واستقلال القضاء والمواطنة الكاملة. عن صحيفة الاهرام المصرية 3 / 7 / 2008