يسعى أستاذ التاريخ الحديث في الجامعة اللبنانية مسعود ضاهر في كتابه "هجرة الشوام: الهجرة اللبنانية إلى مصر" الصادر عن دار "الشروق" في القاهرة إلى تقديم لوحة مكثفة حول هذه الهجرة بحثاً عن أصولها واتجاهاتها الأولى، وإلقاء الأضواء على عائلات الشوام في مصر من خلال ذاكرة الأبناء والأحفاد "آل كنعان، آل صوصة، آل زيدان، آل فرح، آل صابات، آل صروف، أسرة بطرس النجار، آل ثابت، آل نمر، آل سلهب، آل سكاكيني". جاءت هذه الدراسة رداً على دعاة التأريخ المستند فقط إلى المصدر المكتوب وذلك باستنادها، وبشكل واسع إلى المصدر الشفوي. توضح الدراسة وفق صحيفة "الحياة" اللندنية أنه منذ أواسط القرن التاسع عشر ازداد سيل الهجرة إلى مصر في شكل عمودي حتى ناهز مئة ألف في أواسط القرن العشرين وذلك من مختلف الطوائف والمناطق في بلاد الشام. فالشوام كما يشير ضاهر، تعبير اصطلاحي يطلقه سكان البلد الذي يؤمه المهاجرون فيتقبلونه طوعاً من دون حاجة إلى رفضه أو الاحتجاج عليه ولا يشكل أية إساءة لهم. وكانت للمصريين أيضاً تسميات كثيرة لتحديد الوافدين إلى أرضهم: فعرب المشرق هم "الشوام"، وعرب المغرب هم "المغاربة"، والأوروبيون هم "الأجانب"، وبقايا الأتراك والشركس هم "المماليك"، وأوربيو شرق أوروبا هم في الغالب "يونان"، واتسعت التسمية لتضم فئات متعددة من سكان وادي النيل نفسه الذين يرمز إليهم بعبارات "أهل الصعيد" و"أهل النوبة"، و"الأحباش" وغيرهم. رصد المؤلف نماذج معبرة لبعض الأسر من خلال ذاكرة الأبناء والأحفاد، ولم يدع القدرة على تقديم دراسة شاملة لجميع أسر الشوام في مصر: منابتها، أسباب هجرتها، أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قبل الهجرة وبعدها، تركيبتها العائلية والطائفية، سلوكياتها الاجتماعية في مصر بين الاندماج والتوقع، علاقتها بالقوى الفاعلة في المجتمع المصري أو المسيطرة عليه، مصادر ثروتها ونفوذها، أسباب نقمة المصريين على الجاليات الأجنبية وموقفهم من الشوام. يشير المؤلف إلى انه لا توجد تسمية تاريخية تبرر فصل اللبنانيين عن السوريين والفلسطينيين والأردنيين في مصر، لأنهم كانوا جميعاً من الشوام وشكلوا معاً جالية واحدة عرفت بهذا الاسم، وكانت السجلات الكنسية، وسجلات الأديرة، وسجلات الأزهر، وسجلات النوادي والجمعيات الخيرية وسواها تتعاطى معهم ككتلة بشرية واحدة لها عاداتها وتقاليدها، وتتزاوج في ما بينها، وتقيم حفلاتها وأعيادها معاً، واستمرت التسمية سنوات طويلة بعد إعلان دول لبنان وسوريا وفلسطين وشرق الأردن، واستمر المواطن المصري والدولة المصرية تنظر إليهم كشوام.