صدر مؤخرا عن سوسيكس أكاديميك بلندن كتاب "السياسية الديموغرافية العربية" لمؤلفه أون وينكلير، ويقع في 340 صفحة من القطع المتوسط. يدرس الكتاب الظاهرة الديموغرافية في العالم العربي خلال القرن العشرين، وذلك على ضوء الدلالات الكميّة والنوعية للأرقام القياسية الديموغرافية خلال القرن الماضي. وتتمثل النتيجة الأساسية التي يتم الوصول إليها بالقول إن الحاجز الأساسي أمام الواقع الديموغرافي العربي هو وجود ثروات وموارد محدودة لا تتناسب مع الزيادة السكانية المتعاظمة. ووفقا لصحيفة "البيان" الإماراتية يبحث الكتاب في تحديات وأسباب الزيادة السريعة للسكان عند العرب خلال القرن العشرين. وتتم الإشارة هنا إلى أن بداية التباطؤ الكبير في هذه الزيادة كانت منذ مطلع عقد الثمانينات الماضي. ويحلل المؤلف النتائج الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على الزيادة السكانية في العالم العربي خلال القرن العشرين. ويدرس نتائجها على المدى القريب، ولكن على المدى البعيد أيضا. ذلك أن الزيادة السكانية لها آثارها المباشرة على قوة العمل وعلى توفر فرصه وبالتالي على بروز ظاهرة البطالة. هذه الظاهرة يتم التعرّض لها عبر منظورها التاريخي، ولكن أيضا عبر مقارنة معطياتها في الواقع العربي بالمقارنة مع وجودها القوي في البلدان الغربية المتقدمة. ويجري قراءة لسياسات النسل وتحديده في مختلف الأقطار العربية. هذه السياسات تبدو أنها على علاقة وثيقة بالمواقف الإيديولوجية والفلسفية للبلدان المعنية بها. كما يتم التأكيد على أنها متأثرة إلى حد كبير بالغرب، حيث كان للثورة الصناعية دور كبير في صياغة توجهات جوهرية في الميدان الديموغرافي. وعلى صعيد الكم تتم الإشارة إلى أن العالم العربي كان يعاني من قلّة عدد السكان خلال القرن التاسع عشر مع وجود مدن صغيرة نسبيا. لكن هذه الصورة تغيّرت تماما خلال القرن العشرين حيث وصل عدد سكان المنطقة العربية إلى ما يزيد على 450 مليون نسمة، مع وجود مدن كبيرة يصل عدد سكان بعضها إلى حوالي 10 مليون نسمة، مثل القاهرة. هذا بالإضافة إلى كثافة سكانية كبيرة على المناطق الشاطئية. وأدى الواقع الجديد إلى تغيرات مهمة على الصعيد الجيوسياسي والاقتصادي، كما على صعيد البنى الاجتماعية. ويتم التأكيد في هذا السياق أن الزيادة السكانية الكبيرة لم تكن في واقع الأمر ورقة رابحة كثيرا بالنسبة للعالم العربي. ذلك خاصة بسبب الإمكانيات الاقتصادية المحدودة وغياب سياسات التنمية الحقيقية. ثم إن وصول أعداد كبيرة من الشباب إلى أسواق العمل وعدم إمكانية توفير ما يكفي لهم من الفرص برزت ظاهرة الهجرة بقصد العمل إلى البلدان الأوروبية خاصة، هذا بالإضافة إلى الهجرات الداخلية باتجاه البلدان البترولية منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين. كذلك تتم الإشارة إلى أن واقع الضغط السياسي في العديد من البلدان العربية لم يكن بعيدا عن تعاظم حركة الهجرة في بعض الحالات إلى البلدان الغربية الغنية.