عمرو عبد الرحمن عندما طغت موجة الإرهاب الأسود على كثير من بقاع العالم، وانتشرت التنظيمات الإسلامية التي تتبنى فكر التكفير وسياسة قتل وترويع المدنيين العزل بدعوى إعلاء راية الجهاد في سبيل الله، وذلك في كثير من الدول حتى وصلت إلى مصر في أوائل عقد الثمانينات الماضي، كان أول من تصدى لهذه الموجة العارمة هم المثقفون والسياسيون بل والمواطنون المصريون - المسلمون، مُعلنين رفضهم صراحة لكل ما ومن يشوه وجه هذا الدين السمح، الذي وهو في عز دولته التي سادت العالم شرقا وغربا، لم يكن يجرؤ قائد عسكري على إجبار من يخالفه في الدين، على الدخول في الإسلام، فقط إما الإسلام وإما الجزية فى مقابل عدم انخراطه فى جيش المسلمين والدفاع عنه ضمن مواطني الدولة الإسلامية. من هنا تحديدا يفرض ذاته السؤال، بشأن موقف الإخوة أقباط مصر من العدوان المستمر ضد بلدهم – مصر - من جانب المنظمات التى تتسربل بدعوى حماية الأقباط من الاضطهاد الإسلامي لهم، مُطلقين على أنفسهم منظمات "أقباط المهجر".. على غرار مصطلح شعراء "المهجر" الشوام، الذين هاجروا من سوريا ولبنان إلى مصر أوائل القرن الماضى، هربا من "الاستعمار" الذى اجتاح بلادهم وقتئذ..! ما هو يا ترى موقف الإخوة أقباط مصر من أجندة تلك المنظمات التي لا تتوقف لحظة عن الاستقواء بالغرب سواء الأوروبي منه أو الأمريكي ضد النظام الحاكم، الذى قد تختلف معه فى الكثير والكثير إلا أن الاختلاف لابد أن يكون له حدود، لأنه وعلى الضفة الأخرى من تلك الحدود تكمن أشياء أخرى بغيضة .. خيانة الوطن مثلا. ويطرح السؤال ذاته مجددا، ما هو موقف الإخوة أقباط مصر من مطالبة أحد زعماء المهجر لقادة الكيان الصهيونى الغاشم وعلى رأسهم "النتن – ياهو" لكى يحرك جيوشه ضد مصر حتى تتوقف حكومتها عن اضطهاد الأقباط؟ وما موقفهم من الرسائل السرية التي فضحتها وسائل الإعلام، والتي دعا فيها أحد زعمائهم "إثيوبيا" إلى التشدد ضد مصر فى ملف مياه النيل من أجل قتلها عطشا، كإحدى وسائل الضغط الرامية لتحقيق الهدف نفسه: وقف "الاضطهاد" الإسلامى ضد الأقباط فى مصر؟ .. وما موقفهم حتى من دعاوى الاضطهاد ذاتها، مثل تلك التى يزعم مروجوها أن عشرات الفتيات القبطيات يتم إجبارهن سنويا على الدخول فى الإسلام، بينما اللاتى يصررن على التمسك بمسيحيتهن يتم اغتصابهن أو قتلهم بدم على أيدى المسلمين الجبابرة المتوحشين!؟ وأخيرا .. ما هو موقفهم من إعلان عدد من المؤسسات القبطية فى الخارج – فرنسا بالتحديد – عن إقامة أول برلمان قبطى مستقل؟؟ إننا إذا حاولنا افتراض وجود إجابات على هذه التساؤلات، سنجد أن الإجابات ربما تكون أكثر صعوبة من الأسئلة، فالصمت المطبق إلى درجة التأييد غير المعلن، يكاد يبدو وكأنه السمة الغالبة لردود أفعال الإخوة الأقباط المصريين، تجاه كل موقف من هذه المواقف التى تجر مفجروها إلى "فسطاط" الإرهاب الأسود، ذات الفسطاط الذى سبقهم إليه نظراؤهم من مُدَّعيىِّ الدفاع عن الإسلام بالإرهاب المادى والمعنوى. فهل هناك بعد استعداء أعداء الوطن ضد الوطن إرهاب؟؟ وإذا يممنا وجوهنا شطر "البابا" فلن نجد سوى العزف على النغمة ذاتها التى يجيد الإرهابيون من أقباط المهجر التغنى بها، خاصة فيما يتعلق ب"الأجواء المأسوية" التى يعيشها أقباط مصر فى وطنهم، على خلفية مزاعم مستمرة باضطهاد جيرانهم المسلمين لهم فى وطنهم المشترك، بينما وفى الوقت نفسه باتت لقاءات "البابا" وزعماء أقباط المهجر علنية الطابع بعد أن كانت تتم سرا، وهو ما جعل الكثيرين من المحللين يرون أن البابا "يلاعب" النظام على الطريقة الإسرائيلية، أى بطريقة الصقور والحمائم، ففى حين يشعل "أقباط المهجر" النار فى العلاقات المصرية مع الغرب، ويصل الأمر بهم حد دعوة الكونجرس الأميريكى لقطع المعونة عن المصريين، نجد "البابا" - بالمقابل - يظهر فى حالة عناق حار مع شيخ من شيوخ الأزهر، يتبعها تصريحات وردية أقرب للنفاق عن أهمية التمسك الأبدى ب"الوحدة الوطنية"..! من هنا يبقى السؤال بلا إجابة، وتبقى محاولات الإجابة كمصدر لمزيد من التساؤلات "المرعبة" بحق، فهل يمكن تصور أن يقوم أخ بحرق البيت على رأس عائلته بأكملها، احتجاجا منه على تفضيل أبيه لأحد أبنائه عليه؟ بالطبع يصعب تصور هذا الأمر إلا فى حالتين لا ثالث لهما: الأولى، أن يكون هذا الشخص الذى يحرق البيت على من فيه مجنونا. الثانية: أن يكون "مجنون الحريق" هذا لديه خطة أخرى جهنمية، كأن يدفع أهل بيته إلى الهرب من النار التى يلوح بها لحرق المنزل، لكى يستقر هو – وحده - بعد ذلك فيه..!