منذ نشأة جماعات الإسلام السياسي في بدايات القرن الماضي، كانت فكرتها الأساسية –المعلنة– هي الخروج من عباءة سيطرة الغرب ومقاومة الدول الغربية أذرع الشيطان في روايتهم وما أطلقوا عليه الأنظمة العميلة، العودة لفكرة حكم الخلافة بتعظيم فكرة السمع والطاعة لقيادات تلك الجماعات من قبل التابعين لهم مع إضفاء صفات العظمة والتوقير خاصة لمن أطلق عليهم الخلفاء العثمانيين، مسبغين فكرة الطائفة الناجية على أتباع تلك الجماعات دون غيرهم من المسلمين. ولكن كانت كل أفعال تلك الجماعات عبر السنوات الماضية مناقضة تماماً لما دأبوا على وضعه كأهداف لتلك الجماعات، خاصة عند اكتمال مهمتهم من تدمير الأوطان ووصولهم لهدفهم الأساسي والرئيسي وهو تولي مقاليد السلطة والحكم. فالخلافة العثمانية التي يودون إحياء رفاتها كانت نكبة على الشعوب العربية التي عاصرت حكمها، من نظرة دونية للعرب وحكم متسلط واستخدام موارد تلك الشعوب البشرية والمادية لإذكاء نيران حروب عبثية خاضتها الدولة العثمانية في أصقاع أوروبا، وموائمات مع دول أوروبية احتلت منطقتنا العربية تحت نظر وموافقة العثمانيين، بل وفتحت الطريق للهجرة اليهودية إلى فلسطين في القرن التاسع عشر. أما الدول الغربية التي كانت هي أذرع الشيطان في نظرهم، بل والشيطان الأعظم في بعض رواياتهم، فصارت هي القبلة والمتنفس وحاملة أختام منح الشرعية لوجوه من تلك الجماعات حال وصولها للسلطة. فقد صار الحج إلى البيت الأبيض هو صك الغفران عن أي جرائم همجية ارتكبت أو أي كم من الأرواح أزهقت أو أي سبل حياة دمرت لشعوب كاملة، وقيادة حرب طائفية أهلية مستغلاً فسيفسائية مجتمع عربي للقفز إلى السلطة، أو أراضٍ تركت محتلة دون مقاومة من قبل عدو متربص. كان الوعد الرئيسي والدعاية الأساسية لتلك الجماعات هو محاربة ما أطلقوا عليه الأنظمة العميلة التي تمنعهم من قتال ذلك العدو، والتغرير بشباب غضٍّ مندفع خلف تلك الدعاية ليكون وقوداً ودماً منفجراً في وجه أهلهم وشعبهم. لتنقض تلك الوجوه ما سبق أن وعدت به أتباعها، مكتفين ومهللين لقطّة دخول البيت الأبيض من بابه الجانبي، وهم يضعون أيديهم في أيدي من وصفوهم لأتباعهم بالشيطان الأكبر وأعداء الدين؛ الأيدي التي وعدوا أتباعهم بقتالهم وأنهم الهدف الرئيسي لهم عقب وصولهم للسلطة، نفس تلك الأيدي التي وضعت مقابلًا ماديًا كبيرًا ثمنًا لحياة تلك الوجوه ولم تقترب منهم. نستمع عقب ذلك إلى أصوات تحاول تجميل تلك الوجوه الملطخة بدماء المدنيين والمشردين، مبررين ذلك بالضرورات الوقتية وتقلبات السياسة، متغنين بالحنكة والبراغماتية السياسية حتى وإن كان الثمن أنهاراً سالت من الدماء؛ فلا شيء في نظرهم يفوق الوصول إلى قبلتهم في واشنطن.