ليس مألوفاً في غرف صالات تحرير المؤسسات الصحافية والقنوات الإخبارية تداول جملة «ضرورة التحقق من مصداقية أن والدتك تُحبك»، لأن هذا هو الشيء الطبيعي الذي جاء بالفطرة، بعكس إذا كنا نرغب في التحقق من معدلات البطالة فإنه يجب اللجوء إلى موقع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المعنيّ بذلك، حيث يُعدّ التقارير الخاصة بالبطالة الشهرية. نفس هذا الأمر ينطبق على ذكر حقائق ووقائع في تاريخ الدول، فإنه يجب علينا اللجوء إلى الجهات الرسمية للتأكد من صحة ودقة هذه المعلومات، لا أن نلجأ إلى الاستدلال بحكايات الأهل والأقارب والأصدقاء في أمور وتاريخ الدول، خاصة إذا كان هذا الشخص يحتل موقعًا برلمانيًا في مجلس الشيوخ باعتباره وكيلاً للجنة الإعلام والثقافة والسياحة، فضلاً عن كونه فنانًا كبيرًا أدى أدوارًا وطنية لدولة كبيرة بحجم مصر. ربما أهمية وظيفة المستشار الإعلامي والسياسي للمسؤولين ورجال الأعمال وكذلك المشاهير من جميع المجالات ضرورة ملحّة، لكون وظيفة المستشار الإعلامي المهني تكمن في التحقق من دقة المعلومات وفرز الحقائق وتقديم البيانات والمعلومات لمن يعمل معه بكل مهنية ومصداقية، لأنه كلما تسارع وجود كم هائل من البيانات والمعلومات تُبطئ المهنية الإعلامية هذا الكم من الأخبار للتعامل معه بكل حذر وتدقيق. وإذا ما اعتمد المسؤول على الارتجال دون الاعتماد على أحد مستشاريه الإعلاميين في أي موضوع، فربما يكون فريسة سهلة للنيل من مصداقيته ومن معلوماته، مثلما حدث مع الفنان الخلوق ياسر جلال، الذي لم يُعَدّ إعدادًا مسبقًا لكلمته في حفل تكريمه في ختام دورة مهرجان وهران السينمائي بالجزائر، والتي قال فيها: «والدي حكى لي إن الجزائر أرسلت جنودًا من الصاعقة بعد نكسة 67 يسيرون في ميدان التحرير ومنطقة وسط البلد لحماية المصريين». هذا الفارق في تلقائية وعفوية الفنان جلال في حديثه بالجزائر يعكس حجم الاختيارات التي هبطت إلى مجلس الشيوخ وكذلك النواب المزمع تشكيله قريبًا، إذ إنه إذا لم يتدرّب المسؤول على دليل إرشادات التدقيق في المعلومات والتأكد من مصداقيتها — التي يُدرّس مضمونها في كليات الإعلام — فسنصبح أمام أمور متشابهة كثيرة في جميع المجالات، وليس في الفن وحده. وما كان لهذا الكلام التلقائي أن يحدث في حالة اعتماده على مستشار إعلامي يُعِدّ له إعدادًا مسبقًا لكلمته، على سبيل المثال لا الحصر: من ناحية «ضرورة تعزيز التبادل الثقافي والفني بين البلدين وتوقيع بروتوكولات تعاون بين نقابة المهن السينمائية والجانب الجزائري، وما إلى ذلك»، وفي الوقت نفسه تجنّب الحديث في التاريخ ما لم يكن دقيقًا وموثّقًا من مصادر رسمية. ما حدث وما يحدث حاليًا في اختيارات، أو بمعنى أدق في تعيينات مجلسي الشيوخ والنواب، سيظل متكررًا ما لم يُفتح الباب لمراجعة اختيارات هؤلاء النواب وأيضًا من يتولى المناصب في جميع المجالات حتى يتم إنهاء هذه المعاناة التي نعيشها حاليًا. هذه الاختيارات في مجلسي الشيوخ والنواب وإن عكست تغييرًا شكليًا في اختيار الأشخاص لا العقول، فمن المؤكد أنها ستظل خطوات رمزية لن تُخفف من ثقل المشهد النيابي والسياسي إذا لم تترافق بخطوات فعلية جادة في انفتاح المشهد السياسي والإعلامي أمام الكفاءات الحقيقية وليس الهامشية. ولا شيء يُداري الخسارة التي وقعت على تاريخ الدولة المصرية العريقة إلا بضرورة حسن الاختيار لأي منصب، سواء كان تشريعيًا أو تنفيذيًا، لكون الحديث الأخير للفنان ياسر جلال هو إشعار باستمرارية هذا المشهد الذي وقعنا فيه. وما أود قوله في نهاية المقال، إن من أتت نجوميته الواسعة عبر الشعب بسبب اختياره لتمثيل أدوار وطنية، يُغادر هو الآن — بقرار منه أيضًا — من خلال غضب الرأي العام حول تصريحاته الأخيرة، حتى ولو أدى أدوارًا وطنية على أعلى مستوى. حفظ الله مصر وشعبها ومؤسساتها.