*سيناريو تخيلي يكتبه عبد القادر سعيد انتهيت من حضور حفل جوارديولا الصاخب في ستامفورد بريدج، شعرت بنشوة الاستمتاع بهذا العزف الذي يغذي الروح أكثر من مقطوعات بيتهوفن وياني وعمر خيرت مجتمعين، هذا بالنسبة لشخص يبحث عن كرة القدم في وقت ندرت فيه متعتها وسط أكوام العملات الخضراء والحمراء وتعقيد المدربين وطريقة الحافلة التي لقحت كل البلاد مثل وباء ينتشر بلا هوادة. وضعت راحتي على خدي وأغمضت عيناي وطاف خيالي داخل عقلي، هنا الغرفة الأكبر، طبعاً هذه تخص جوارديولا، ألوانها مبهرة رائحتها جميلة جدرانها الأربعة تحمل نقوشاً كتلك التي تفنن المصري القديم في وضعها على معابدها ومقابره العظيمة، لا أجمل من هذه الغرفة هنا. خيالي طاف أبعد عن اللازم حتى دخل ممر الغرف المظلمة، هنا الدوري المصري والأندية المحلية واتحاد الكرة ولجنة المسابقات والمدرجات بدون جمهور، والجمهور بدون تذاكر، والتذاكر في السوق السوداء، والتصريحات التي لا تتوقف من كل الأطراف كأنك تتخبط في أزحم أسواق مصر الشعبية صباح الخميس أو الجمعة أو الأحد. هناك شيء يشدني لفتح تلك الغرفة ولكني أتمنع، أعرفها جيدة، مليئة بالضوضاء رغم ظلمتها، بها جو من المرح رغم قسوتها، غرفة مختلطة، لكن الطيف جذبني داخلها بسرعته فوجدت نفسي أتحول من حالة الاستمتاع بغرفة بيب إلى التأمل بعمق في غرفة مرتضى منصور هذه، وصرت أتسائل، ماذا لو اجتمع الاثنين في هذه الغرفة الملئية بالضجيج أو تلك التي تغمرها الألوان والموسيقى ورائحة العطور الفرنسية، ماذا لو اجتمعا خارجها ماذا لو عملا معاً في عالم تختلط فيه كرة القدم النادرة بشبيتها القبيحة في أرض أعظم حضارات التاريخ. سمحت بهذه التجربة أن تحدث هنا في غرفة مرتضى واستدعيت بيب في لحظات وسبحت خلفهما هائماً أتابع عن كثب، ما الذي يمكن أن يحدث إذا قبل جوارديولا عرض مرتضى منصور لتدريب نادي الزمالك؟ وبدأت القصة... عرض الزمالك جلس مرتضى في غرفته رابضاً على مكتبه في حزم ينظر لابنيه أحمد وأمير، يحاولان إقناعه بارسال استفسار لبيري جوارديولا شقيق بيب جوارديولا عن إمكانية خوض تجربة في أكبر بلد إفريقي في كرة القدم ونادي القرن الحقيقي فيها، يوافق بعد عناء. يرسل ابنا رئيس الزمالك عرضهما السخي لبيري فيطلب تحويله إلى عنوان الشركة التي تقوم بإدارة أعمال بيب "ميديا بيز سبورتس"، وبعد 48 ساعة يأتي الرد الصادم على بريد الإدارة البيضاء الإلكتروني، بيب متحمس لتجربة جديدة مثل هذه، ندعوكم للحضور هذا الأسبوع للحديث أكثر عن قرب. يطير وفد من نادي الزمالك إلى كتالونيا حيث بنى جوارديولا هناك عروشه الراسخة، يسترخي على شاطيء جيرونا في استجمام بعد أن انتهت تجربته الإنجليزية بصورة غير موفقة، يستجمع قواه في وقفة تعبوية كان في أشد الحاجة إليها. وبعد ساعة واحدة فقط من بداية اجتماع وفد الزمالك و"Pep team" في شركة ميديا بيز سبورتس كان الاتفاق قد تم، وافق الوفد المصري على منح جوارديولا 6 ملايين يورو وإبرام عقد لمدة موسم واحد فقط قابل للتجديد، ووافق بيب على تخفيض أكثر من 70% من راتبه الأخير مع مان سيتي. المؤتمر الصحفي بعد 24 ساعة من وصول جوارديولا إلى القاهرة وعقب جولته في أهرامات الجيزة ومعبد الوادي الجنائزي والمتحف المصري وميدان التحرير الذي تمنى بيب لو كان في كتالونيا مثله لمساعدتها على الانفصال عن إسبانيا، اتجه المدرب العبقري إلى منطقة المهندسين في أوج تكسدها المروري لكنه نجح بعد سويعات في الوصول إلى بوابة نادي الزمالك التي تحمل صوراً لمرتضى منصور الرئيس وشعاراً صغيراً للنادي. بدأ المؤتمر وانهمرت أسئلة الصحافيين في هرجلة لم يرى بيب مثلها طوال حياته حتى عندما كان لاعباً في قطر منذ سنوات قليلة، أحدهم يسأل ذلك السؤال المُعتاد :"هل ستوافق على تدخل الإدارة في عملك؟ بعض المدربين السابقين قالوا أن التدخل كان يحدث في اختيار التشكيل وطريقة اللعب والتغييرات أثناء المباراة". احتاج بيب للحظات ليستوعب ما سمعه، قال لنفسه في أي مكان وضعت نفسك يابيب؟ وقبل أن يهم بالرد كان صوت مرتضى منصور الذي جلس بجانبه قد تهدج من الزعيق وهو ينادي الأمن أن يخرج الصحفي من القاعة ويأمر بوضع اسمه ضمن قائمة الممنوعين من الدخول. رفض رئيس النادي استكمال المؤتمر بأسئلة الصحافيين، قال كلمة استمرت 13 دقيقة، ثم سمح لمدربه الجديد بالحديث عن تجربته وعن مصر في تصريحات مقتضبة قصيرة لم تزد عن المائة ثانية وبعدها أعلن رئيس النادي الذي كان نجم المؤتمر ومديره ساعة الانتهاء وقال لبيب بابتسامته التي لا تجعلك أبداً في مأمن رغم بشاشتها :"نورتنا، اتفضل شوف شغلك". المباراة الأولى جوارديولا لديه مرونة في تغيير طريقته كما يعرفه العالم، لكنه يغير فقط الطرق التي تخدم أسلوبه وفلسفته، فلن تجده يلعب 4/5/1 أو يركن الحافلة ويدافع مثل أتلتيكو مدريد وتشيلسي، مهما كان الخصم جوارديولا يهاجم دائماً ويلعب للسيطرة وصناعة الفرص. اختار بيب طريقته المفضلة 4-1-4-1، لم يأبه كثيراً بمنافسه وادي دجلة، فهو لم يعرف بعد الكثير عن الفريق الذي أشرف على تدريبه منذ أسبوع واحد فقط، شرح للاعبيه طريقته وجلس كثيراً مع ظهيري الأجناب ولاعبي الوسط الهجوميين وطلب منهم تأدية بعض المهام، ثم عقد جلسة خاصة مع قلوب الدفاع والحراس وشرح لهم أنه يريد أن يمرروا الكرة للاعبي الوسط لصناعة فرصة للهجوم بدلاً من تشتيت الكرة إلى المرمى الأخر والتسليم بفقدانها بكل بساطة وسذاجة. تشكيل الزمالك مع بيب بطريقة (4-1-4-1) جاء كالتالي: الحارس: محمود جنش فقد نجحت كيمياء جنش مع فلسفة بيب، أظهر حارس الزمالك مهارة كبيرة في التدريبات باللعب بالقدمين وإرسال الكرات البينية للاعبي الوسط والهجوم، فنال استحسان المدرب الكتالوني وأصبح أساسياً في أول اختبار. رباعي الدفاع: مؤيد العجان، محمود علاء، حازم إمام لاعب الارتكاز: طارق حامد رباعي الوسط: عبد الله جمعة (جناح أيمن)، أحمد مدبولي (جناح أيسر)، أحمد داوودا (لاعب وسط هجومي)، أيمن حفني (لاعب وسط هجومي). المهاجم: باسم مرسي سيطر الزمالك على المباراة وصلت نسبة الاستحواذ إلى 70% ظهر الرضا على وجه بيب، لقد نجح في تطبيق طريقته مجدداً، الكاميرا الخاصة ببيب التقطت ابتسامته ثم انتقلت للمدرج الذي يعلوا مقاعد البدلاء مع إطلاق صافرة النهاية بالتعادل السلبي لتلتقط العدسة غضباً يشع من خلف عوينات مرتضى منصور رئيس النادي وهو يغمغم: "مش عارف يكسب ميدو!؟". مباراة المقاصة فريق المقاصة كان قد استعاد مدربه إيهاب جلال بعد فشل مؤمن سليمان ونجح في انتزاع الصدارة من الأهلي والزمالك اللذان يركضان خلفه بفارق نقطة واحدة فقط، الفوز على الفريق الفيومي يمنح الفارس الأبيض الصدارة، وينصف بيب البطل الذي صمد في موقعه طوال الدور الأول في الدوري دون أن تتم الإطاحة به. هذه المرة لجأ جوارديولا لطريقته الأخرى التي طبقها مع مانشستر سيتي عندما وجد لديه الثنائي الهجومي الرائع جابريل جيسوس وسيرجيو أجويرو، 3-5-2 هي الحل لثغرات فريقه الدفاعية إذاً وللاستفادة من الكم الكبير من المهاجمين في فريقه. لعب بيب ضد المقاصة بحارسه المفضل جنش في حراسة المرمى وأمامه: ثلاثي الدفاع: علي جبر، محمود علاء، محمود دونجا الظهير الدفاعي الأيمن: طارق حامد الظهير الدفاعي الأيسر: أيمن حفني ثلاثي الوسط: أحمد مدبولي، أحمد داوودا، رزاق سيسيه المهاجمان: باسم مرسي، كابونوجو كاسونجو انتقادات كثيرة واجهها قبل المباراة بعد إعلان التشكيل، كيف يلعب حفني مدافع أيسر، وطارق حامد مدافع أيمن، ودونجا يشترك كمدافع، ما هذا الهراء الذي يفعله بيب في أهم مبارياته؟ المباراة انتهت (5-0) لصالح الزمالك، تصدر الأبيض جدول الترتيب، وتحول نقد بيب في الاستوديوهات التحليلية إلى وصلات من الإشادة والمدح والتغني بلفسفته وعبقريته الفذة، وكيف ساهم الرجل في تغيير كرة القدم في العالم وكيف سيصبح منتخب مصر إذا ضم 11 لاعب من نادي الزمالك ليشتركوا أساسيين في كأس العالم المقبل. وفي ظل هذا الاحتفاء بجوارديولا تدخل مرتضى منصور بمداخلة هاتفية في برنامج "مساء الأنوار" وجه لوم وعتاب شديد للمحللين ومقدم البرنامج قائلاً: "الآن الجميع يشيد بجوارديولا؟ نسيتم أن مرتضى منصور هو الذي طالبه بأن يلعب بثنائي هجومي؟ نسيتم أنني جعلت منه أغلى مدرب في تاريخ أفريقيا ودفعت له 6 مليون يورو؟ هل تنتظرون الهزائم للهجوم على رئيس نادي الزمالك وعند الانتصارات تشكرون غيره؟". ارتبك المقدم ثم تماهى مع الرئيس الغاضب وطيب خاطره ببضع كلمات حدثه خلالها عن بعد نظره ورؤيته الثاقبة في اكتشاف هذا البيب الذي كان بلا عمل يتسكع على شواطئ كتالونيا بعد فشله في إنجلترا، شعر مرتضى بارتياح ثم عاد لطرح مُزحه مع كل الحاضرين ثم أغلق الهاتف، لكنه لم يغلق هذه الصفحة ظلت هناك نقطة تؤرقه وتسبب ضجره بعد الإطراء الذي سمعه عن مدرب كتالونيا. مباراة القمة قبل نهاية الدوري بست أسابيع أصبح الأهلي متصدراً بفارق 5 نقاط عن الزمالك المتساوي مع المقاصة في المركز الثاني، لا بديل أمام الفارس الأبيض النبيل سوى الفوز وتقليص الفارق وإشعال المسابقة في أواخرها. اعتمد بيب على نفس تشكيل فريقه في مباراة المقاصة التي اكتسح فيها منافسه، وكانت النتيجة هذه المرة خسارته (3-0)، توجه بيب بعد المباراة لمصافحة مانويل جوزيه مدرب الأهلي وتوجيه الإشادة والتحية له ثم هم بالخروج وهو يرى بطرف عينيه رئيس النادي يصرخ في المدرجات في وجه إسماعيل يوسف وطارق يحيى معاونيه، فهم أنه يوجه بعض السباب لكنه لم يكن يعرف أنه المقصود بهذه اللعنات. وفي طريقه للمؤتمر الصحفي أخبر مراسل قناة "دي إم سي" جوارديولا أنه تعرض للإقالة منذ ثوان، رد بيب أنه لم يبلغ بشيء وأنه سيذهب لأداء عمله في المؤتمر الصحفي الآن وبعدها سيرى ماذا سيحدث، لكنه أمام باب قاعة المؤتمر الصحفي وجد بيب طارق يحيى مُسرعاً للدخول قبله ثم غلق الباب بعنف ليحضر بدلاً منه. جوارديولا تعرض لصدمة ثم تحرك نحو الباب ليجد شيء يبطئه، فطن أن إسماعيل يوسف يمسك معصمه الأيمن ويشده للوراء قائلاً له بلين :"لن تحضر المؤتمر يجب أن نتحدث قليلاً في مكتب رئيس النادي بعد ساعة". النهاية اتصل جوارديولا بشقيقه بيري الذي حضر الاجتماع عبر "سكايب" وفوجئ بقرار مرتضى منصور بإقالة المدرب الكتالوني، لكن بيري طلب أن يتم تسديد باقي قيمة العقد كاملة 2 مليون يورو. وقتها انسحب بيب من الجلسة دون أن يصافح أحد وطلب من شقيقه أن يبلغه بنتائجها، ثم رحل في سيارته متخفياً خلف زجاجها المُعتم إلى فندق إقامته ليحزم حقائبه بعد حجز تذكرة عودة إلى كتالونيا عبر الانترنت منتظراً لمكالمة شقيقه بعد دقائق. مرتضى منصور أعلن في تصريحات تلفزيونية إقالة جوارديولا والاتفاق على منحه مليون يورو فقط قبل أن تنتهي الجلسة وقبل أن يعرف بيب نفسه هذه التفاصيل، انتهت العلاقة واتجه مدرب برشلونة السابق إلى باب الخروج من الفندق لكنه فوجئ برفض منحه جواز السفر قبل تسديد 30 ألف يورو تكاليف إقامته بعد أن رفض الزمالك تسديدها، مسك رأسه بكلتا يديه ثم أجرى اتصالاً بشقيقه، وبعدها سدد المبلغ كاملاً وحصل على إيصال بذلك، طلب منه بيري أن يحتفظ به لأنه سيكون نافعاً جداً بل أنه بمثابة هدية في ملف شكوى المدرب في "فيفا" ضد نادي الزمالك. طار بيب إلى كتالونيا استنشق أنفاسه بحرية من جديد، كان في الصيف الماضي قبل رحلته الصعبة لأرض مصر يفكر في الاعتزال والاستمتاع مع أسرته بأمواله الغزيرة جداً التي كسبها طوال مسيرته كلاعب ومدرب، الآن لم يعد الأمر محل نقاش أو تفكير، فوراً أخبر المدرب الكتالوني زوجته بالاعتزال والتفرغ لها وأبنائهما، واتجهوا جميعاً إلى الولاياتالمتحدة للاستجمام في ميامي بعيداً عن الضغوط والصخب والعدسات المتلصصة في كتالونيا، قرر أن يبقى هناك ويتفرغ للكتابة، لا بد أن رأس هذا الفيلسوف بها الكثير عن كرة القدم وحكاياته لتُكتب. استفاقة ارتطمت رأسي بسطح المكتب وفتحت عيناي، أدركت أنني كنت أحلم، أخذني هذا الطيف إلى أن أبعد مما كنت أتخيل، ما هذا الذي كنت أفكر فيه؟ حاول غسل روحي ونفسي فأمسكت بهاتفي واتجهت فوراً إلى "You tube" وأمسيت أشاهد تيري هنري في استوديو سكاي سبورتس وهو يحلل طريق جوارديولا مع خلفيه موسيقية لياني، كدت أن أن أغفو مجدداً لكن رعب التجربة الأولى جعلني أتصلب وأجبر عيناي على التحملق في الشاشة حتى لا أسقط فريسة تُعذب في غرفة مرتضى منصور مرة أخرى.