حينما تأتيه الفرص لا يٌفلتها. ما إن ظهر بطش داعش وعنفه ضد الأطياف العراقية في المناطق القريبة من كردستان، رأى فرصته. أطلق مسعود بارزاني العنان لقواته، البيشمركة لتحافظ أولا عن مدنه الكردية من فظائع التنظيم، ثم انطلقت لتحقق انتصارًا تلو الآخر. وصلت قواته إلى حدود الموصل ثاني كبريات المدن العراقية. حررت قواته مناطق متنازع عليها بين إقليمه وبين الحكومة المركزية بالعراق، مثل كركوك الغنية بالنفط. كما طردت فلول الدواعش من سنجار بعد فظائع ضد الإيزيديين. كل ذلك بمساعدة من التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية. منذ 2014 ويُحرك رئيس إقليم كردستان بارزاني مقاتليه كقطع من الشطرنج ليحصل على أرض جديدة كان من المستحيل أن تتواجد بها قواته قبل الهبة الداعشية في 2014. لم تمر سوى سنوات ثلاث حتى أعلن الخطوة التي أثارت غضب العراق وجارتيه تركياوإيران، وأزعجت العالم أجمع. كان الاثنين هو اليوم المشهود بالنسبة للأكراد، حين خرج ملايين منهم يصوتون في استفتاء غير ملزم على الانفصال عن العراق، ووضع بذرة أخرى في سبيل تحقيق حلم الدولة الذي طال انتظاره. قالت عنه مجلة تايم الأمريكية بعد ترشيحه عام 2014 ضمن الشخصيات الأكثر تأثيرًا في العالم، إنه حينما بدأ داعش في تقسيم الشرق الأوسط سارع الزعيم الكردي للحصول على قطعته. وأشارت إلى أن بارزاني بدأ في كتابة إرثه في تاريخ الإقليم منذ وفاة والده مصطفى بارزاني في 1979، الذي جاهد طويلا لتحقيق الحلم الكردي بدولة دون أن يحالفه التوفيق. وٌلد بارزاني الابن في 16 أغسطس عام 1946 في مهاباد في شمال غرب إيران، حيث الجمهورية الكردية قصيرة العمر التي دعمها الاتحاد السوفيتي السابق. كان والده قائدًا للقوات هناك قبل أن يتم نفيه إلى روسيا بعدما انتهى حلم استمر الدولة الكردية بعد 11 شهرا من إعلانها. لم يغادر مع والده بل سافر إلى العراق مع عمه حيث عاش وبدأ دراسته. وقبل أن يكمل 12 عامًا، وتحديدًا في عام 1958، سقطت الملكية بالعراق مما مهد لعودة أسرته إلى بلاد الرافدين. لكن سرعان ما نشب الخلاف بين والده والرئيس عبد الكريم قاسم، ليغادر الأب إلى الشمال. وبدأت حملة عسكرية من العراق ضد تمرد الأكراد الذي اختاروا مصطفى بارزاني قائدًا لهم في شمال البلاد. استمر القتال حتى مارس 1975. وخلال هذه الفترة عمل مصطفى بارزاني وسط القوات الكردية وكان مسؤولًا عن إيصال المساعدات العسكرية والمادية إلى المتمردين الأكراد في قتالهم ضد النظام العراقي، بحسب وثائق للاستخبارات الأمريكية. ثم بدأت الحكومة العراقية في إخماد التمرد بعد اتفاق بين صدام حسين وشاه إيران في 1975، والذي عرف باتفاق الجزائر. خسر الأكراد داعمهم الرئيسي في طهران. بعد وفاة الوالد، تولى مسعود بارزاني رئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني في 1979. في عام 1994 كان الإقليم في العراق منقسما بين حزب بارزاني في الشمالي الغربي، والحكومة الموازية له في الشرق بقيادة جلال طالباني (الرئيس العراقي فيما بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003) وحزبه الاتحاد الوطني الكردستاني. واستمرت الأجواء المتوترة والقتال بين الطرفين حتى اتفاق سلام في 1998. وفي أكتوبر 2002 قدم كل قائد من الطرفين اعتذارا عن ضحايا الاقتتال الداخلي بين الأكراد. بعد الغزو الأمريكي وسقوط صدام حسين في 2004، أصبح بارزاني عضوًا في الحكومة العراقية، ثم انتخب رئيسًا لإقليم كردستان في 2005. وأعيد انتخابه مرة أخرى في يوليو 2009 بنسبة تصويت بلغت 71 في المئة. ومع انتهاء مدته في 2013 قرر البرلمان الكردستاني مد فترة حكمه لعامين أخرين. وفي حوار له مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية في يونيو 2014، أعلن أن إقليم كردستان يسعى إلى الانفصال عن العراق. وأعلن أيضًا أن مدينة كركوك الغنية بالنفط، والمتنازع عليها مع بغداد، هي جزء من دولة كردستان المستقبلية. بارزاني حتى اللحظة يقود شعب بلاد دولة، لكن يقف في موضع يجعله يختار قرار الاستفتاء ويعارض أراء دول غربية وإقليمية كبرى هددته بعضها بالعقوبات أو التدخل العسكري. ووسط اتهامات بالقبلية، أثارتها اختياراته للمواقع الحساسة؛ فابن أخيه رئيس الوزراء، وابنه رئيس المخابرات. قالت عنه التايم في تقرير اخر: "ينتقده خصومه لأنه قبلي، لكن الأهم هو شيء واحد: هو يضمن لإقليمه البقاء". لكن في خضم زخم الاستفتاء، حذرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية من أن يكون مصير الدولة التي يسعى بارزاني لتأسيسها مثلما حدث في السابق في عام ولادته، حيث لم تستمر جمهورية مهاباد حتى تحتفل بالذكرى الأولى لتأسيسها.