ليست الأشياء كما تبدو للعين فقط، أغطية ''البلاعات'' التي تمر عليها بطريقك كل يوم، لا تكمن مهمتها في تصريف مياه الصرف الصحي فحسب، بعض الأغطية تصبح تسجيلًا لتاريخ، يمر تحت أقدامنا، أو يمكن سرقته لبيعه، إلا أن ''سوسن جاد'' استطاعت رؤية تلك الأغطية بطريقة مُختلفة عن المعتاد، لتصنع ملفًا على صفحتها بالفيس بوك، بها أشكال مختلفة من الأغطية تحت مسمى ''بكابورت''. الحكاية تبدأ منذ أن كانت ''سوسن'' صغيرة، طرق سمعها دومًا تلك القصص عن الأطفال الذي يسقطون بالبلاعات، ليصير لديها ذعرًا من المرور فوق البلاعات، كبرت الصغيرة حتى بدأت بالسفر إلى الخارج، ورافقها الخوف من مصارف المياه ''لما قولت لناس برة الحكاية دي، استغربوا جدًا لأن عمرهم ما تخيلوا إن ممكن غطاء بلاعة يقع وهما ماشيين عليها''.
لم يمر الأمر بشكل عابر بالنسبة لسوسن، دخل ثنايا دماغها، لتقوم بتسجيل ملاحظاتها عن أغطية البلاعات منذ ثمان سنين أو أكثر، حتى تعرف ماهي أنواع الأغطية التي يجدر بها الخوف منها، والأخرى غير الخطرة، في زياراتها المُختلفة لعدد من البلدان، قامت بتحليل أشكال الأغطية، وجدت أن بمصر، إيطاليا، سويسرا، والبرازيل، أغطية قديمة جدًا تُعتبر تاريخًا بحد ذاته.
بدأت بتصوير أغطية المصارف بالخارج، أما بمصر فلم يكن بمقدورها التصوير ''عشان التحرش، بقف أبص عليهم بس''، لذا يضم ألبوم صور البلاعات على صفحتها بأغطية من مصر لكنها مُلحقة بمصدر خارجي، أغطية مصر أكثر ما يميزها هو التواريخ عليها، هناك أغطية منذ عام 1958 وما تزال بحالة جيدة أكثر من الأغطية الحالية التي طٌمست معالمها '' دي أندر أغطية بلاعات موجودة، وآخر سنة للعلم المصري الهلال والنجمة''، بالخارج استطاعت تصوير عدد من الأغطية، أكثر ما لفت نظرها بإيطاليا هو التنوع الفني في تصميم الأشكال، وفي البرازيل رغم أنها دولة فقيرة مثل مصر لكن الأغطية هناك لا تزال جيدة.
الفرق بين فساد الحكم المحلي والمركزي تصوير المصارف بالنسبة لسوسن هو هواية، تُلخص بالنسبة لها ملامح كثيرة مما تقرأ عنه بكتب التاريخ، فتاريخ شعب يمكن أن يظهر في الفرق بين غطاءين بنفس الشارع ''يفرقهم 80 متر و80 سنة''.
عمل ''سوسن'' بالقطاع الحكومي والتنموي جعلها تفهم أكثر بأنواع الأغطية ''دا ساعدني أفهم طريقة توريد وإدارة المرافق العامة''، هناك أغطية عالية الجودة، وأخرى سيئة، تختلف باختلاف الزمن والحكومات، العالية الجودة هي الأقدم، والسيئة هي الأحدث، الفرق يدل على ''الفساد بين الحكم المركزي والحكم المحلي''، فأغطية ''مجاري بلدية القاهرة'' قديمة، وتدل على جودة مازالت نقشها موجود حتى الآن رغم القدم، أما أغطية ''الهيئة العامة للصرف الصحي'' غالبًا ما تكون نقشتها انمحت، تقول ''سوسن'' ''الفرق بين الأغطية الجديدة والقديمة يدل على لحظة مهمة في كتب التاريخ، امتى الفساد طال الحكومة المصرية قوي كدا؟''.
متصوفي المدينة فكرت ''سوسن'' في تدشين حملة لحفظ أغطية البلاعات في مصر، لكنها لم تخرج عن كونها مجرد خاطرة، خوفها أن ينتهي للحملة إلى جمع الأغطية النادرة بمتحف فقير الإمكانيات وفقير العناية ''زي متاحف مصر''، وبالنهاية يصل الحال به لعدم الاهتمام به، واحتمالية سرقتهم ''بقول أحسن نخليهم في الشارع، من غير ما حد يلتفت ليهم إلا متصوفي المدينة''.