مضى عام كامل، ولم يتبق منه إلا ساعات قليلة، ولا يزال لبنان يواجه تحديات كبيرة بكل قوة، والتي تكاد تعصف بأركانه السياسية والاقتصادية، في ظل موجات من الأزمات الواحدة تلو الأخرى، وهو صامد، ويعمل على التصدي لها بشجاعة، على الرغم من حالة الانقسام الحادة داخل المجتمع السياسي. ويتطلع اللبنانيون أن يكون العام الميلادي الجديد أكثر أمنًا واستقرارًا عما شهده العام الحالي، وأن يشعروا بتحسن في الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وألا يتأثروا بتداعيات الأزمة السورية بشكل أكثر خطورة، مما يعاني منه الآن، علاوة على التوصل إلى وفاق حكومي للحفاظ على مكتسبات وحقوق اللبنانيين. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل لبنان قادر على استكمال المسيرة في ظل هذه التحديات العام القادم؟ أم سيستمر على ما هو اعتاد عليه ويكيف وضعه حسب الظروف الراهنة؟ ويستقبل لبنان العام الجديد وهو يحمل معه ملفات العام الماضي دون حل ناجح، أملًا في أن يتمكن من التوصل إلى حل لهذه التحديات الصعبة الداخلية منها والخارجية، على الرغم أنه لا يملك مفاتيحها، بسبب ارتباط الكثير منها بالوضع السياسي المتأزم فى سوريا، وانقسام الشعب اللبناني، وبالتالي قياداته المعروفة وزعماء الطوائف إلى قسمين مؤيد للنظام السوري وآخر رافض له، ويقف بكل قوة مع ثورة الشعب السوري ضد النظام الأسدي. وملف آخر تعمل الحكومة على التصدي له، المتمثل في احتجاز 9 لبنانيين في بلدة أعزاز السورية بحلب منذ حوالي ثمانية شهور، وسبَبَ لها قلقًا واسعًا في الشارع اللبناني على الرغم من ارتباطه بالأزمة السورية أيضًا. وقد تعرض لبنان إلى الكثير من الخسائر، جراء استمرار الأزمة السورية عبر نزوح ما يقرب من 170 ألف سوري بشكل رسمي إلى الأراضي اللبنانية، مما شكل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا كبيرًا على الاقتصاد اللبناني الذي يعاني أصلًا من تداعيات الأزمة السورية، ودفع الحكومة اللبنانية إلى تخصيص جلسة لمجلس الوزراء نهاية العام الحالي لبحث تداعيات نزوح السوريين إلى لبنان وكيفية تقديم الرعاية لهم بالتعاون مع المؤسسات الدولية والإقليمية. ويشير محللون إلى أن لبنان في أمَس الحاجة إلى إعانات عاجلة قُدرت بحوالي 300 مليون دولار، حتى لا يتحول النازحون إلى قنبلة موقوتة تضاعف من حجم المعاناة لدى أبناء الشعب اللبناني غير القادر على استيعاب هؤلاء النازحين في ظل تقارير دولية تقدر زيادة عدد النازحين في منتصف العام القادم إلى مليون نازح إلى الدول المجاورة لسوريا، بالإضافة إلى عدد آخر من النازحين الفلسطينيين الهاربين من ويلات القتال في مخيم اليرموك بدمشق. وتواجه الحكومة والقيادات السياسية معضلة عزوف السياح ورجال الأعمال الخليجيين عن التوجه إلى لبنان، مما انعكس سلبًا على مناحي الحياة اللبنانية وتأثر الموسم السياحي بشكل كبير على حركة السياحة وباقي الخدمات وحركة البيع والشراء لعدم حضور الخليجيين إلى لبنان بسبب التحذيرات الخليجية لافتقاد الأمن والأمان في ربوع لبنان وتكرار حوادث الاختطاف وطلب الفدية بل تهديد الجاليات الخليجية المتواجدة على أرض لبنان بأنها ستكون هدفًا سهلًا للخاطفين. ويمثل ذلك عبئًا على حكومة نجيب ميقاتي خلال العام القادم من أجل طمأنة الخليجيين بأن الوضع هادىء والتوترات الأمنية عادية يمكن توقعها في أي مكان في العالم، بل أن لبنان أفضل من دول أخرى أمنيًا. ومن المتوقع تشكيل بعثات لطرق الأبواب عند الخليجيين لتشجيعهم على الحضور إلى لبنان مع بداية العام الجديد والاستمتاع بثلوج جباله وطبيعته الخلابة وغاباته الشجرية وسهراته الليلية بهدف تعويض بعض العجز في موارده النقدية التي عرفها طوال العام الحالي. وعلى الصعيد الخارجي، يعكف لبنان على الاستفادة من ثرواته النفطية والغازية في عرض البحر، ويتوقع أن تخوض الحكومة معركة واسعة مع الدول المشتركة معها على البحر المتوسط للاستفادة من الاحتياطيات الغازية الكبيرة التي تم اكتشافها أمام سواحل لبنان امتدادًا من الشمال إلى الجنوب. وسوف تصطدم بإسرائيل التي اقتطعت مساحة تقدر بحوالى 850 ألف كيلو متر مربع من المياه الإقليمية اللبنانية والغنية بالنفط والغاز وبدأت بالفعل في طرحها للاستغلال، بالإضافة إلى محادثات مع قبرص لتعديل اتفاقية بحرية حول المياه الإقليمية وبها مناطق غنية بالثروات الطبيعية. ومن المتوقع أن تشهد أروقة الأممالمتحدة معارك تفاوضية حول الحدود البحرية للبنان، بالإضافة إلى ما يعانيه لبنان يوميًا من انتهاكات واختراقات للمجال الجوي من جانب الطائرات الحربية والاستطلاعية الإسرائيلية مما يمثل عدوانًا صريحًا على سيادته واستقلاله، علاوة على استمرار إسرائيل في احتلالها أجزاء من أراضي الجنوب في مزارع شبعا وكفر شوبا والغجر، مما يحتم على لبنان مواصلة الجهود لتحرير هذه الأراضي طبقًا لقرارات الأممالمتحدة. وفي المجال الداخلي ، لا تزال حالة الانقسام السياسي على أشدها على الرغم من محاولات رئيس الجمهورية ميشال سليمان المتواصلة خلال العام الحالي الرامية إلى توحيد الصف وعودة الوئام بين كافة الفرقاء عبر طاولة الحوار الوطني والتي تم تأجيلها عدة مرات في جولاتها السابقة. ويأمل الرئيس في التئام طاولة الحوار يوم السابع من يناير للاتفاق على مستقبل العمل السياسي في لبنان والاستعداد للاستحقاقات القادمة المتمثلة في إجراء الانتخابات النيابية في منتصف العام القادم على أساس قانون انتخابي جديد يعتمد على النسبية أو على تطبيق القانون الحالي الذي يواجه بانتقادات حادة من الطوائف أو من التيارات السياسية التي اقترحت بدورها مشروعات قوانين مقابل مشروع الحكومة النسبي. وتسعى الحكومة اللبنانية أيضًا إلى توفير بدائل مالية لأزمة العاملين في الدولة لتلبية مطالب الحركات النقابية بزيادة الأجور المعروفة بسلسلة الرتب والرواتب التي تقض أركان الحكومة منذ عام دون حل يرضي كافة الأطراف سواء النقابية أو الهيئات الاقتصادية الرافضة لزيادة الأجور، في ظل دعوات البعض باستقالة حكومة ميقاتي وتأليف حكومة إنقاذية للإشراف على الانتخابات النيابية. ويعد هذا المطلب الرئيسي للمعارضة، وازداد سخونة عقب عملية الاغتيال التي طالت رئيس فرع المعلومات بقوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن الذي كان بمثابة ضرية قوية للأمن في لبنان وأدت إلى مزيد من حالة الانقسام السياسي بين الأغلبية والمعارضة، وإلى مزيد من التوتر الأمني في الشمال اللبناني، ودفع بعض القادة السياسيين والدينيين إلى الحيطة والحذر أو السفر إلى الخارج لتجنب تعرضهم لعمليات اغتيال، وسط تبادل الاتهامات بين الفرقاء السياسيين بإمكانية ارتكاب مثل هذه الجرائم.