ببساطة شديدة وبدون أي فلسفة أو تعقيد: يجب مناقشة موضوع ارتفاع سعر المحروقات وما يترتب عليه من زيادة للأسعار عامةً بطريقة عقلانية موضوعية بدون غرض... سواء مع أو ضد القرار... وبدون تطبيل ومحاباة لصانعي القرار ( عمَّال علي بطَّال )... أو معاداة ونواح وندب واصطياد في الماء العكر... وبتلك المقدمة البسيطة الواضحة يجب فهم المراد بدون شخصنة أو نفسنة أو حكم مُسْبَق أو غلق للعقل وعدم قبول الرأي الآخر مهما كان لاختلافه مع سياسات كل شخص ... أولا: هل نعترف بأن البلد بها ميراث هائل من الديون والعجز في الموازنة ومع كثرة المواليد وقلة الوفيات وقلة الإنتاج والبطالة وفاتورة الفساد العميق من سنوات طوال ومازالت جذوره متشعبة ويغذيها أصحاب النفوس الضعيفة ومعدومي الضمير وزيادة الأسعار العالمية وغيرها الكثير من المشكلات العضال والتي تحتاج لسنين طوال للحد علي الأقل من آثارها السلبية... وهذا المشهد يذكرنا ببنَّاء كلما بني يأتي من يهدم ما يبنيه فيعيد بناءه من جديد وهكذا دواليك... لذا كان أمام متخذ القرار أحد أمرين: الأول : اختيار الحل السهل وهو إبقاء الحال علي ما هو عليه... ووقتها سيترك الحال لمن بعده أسوأ مما كان... وسيظل المرض موجودا وكل ما حدث هو تناول المسكنات وفقط... وسيكون الشعب في سعادة وراحة بال ولو لحين وسَيُسَبِّح بحمد متخذ القرار... إلا بالطبع الفئات التي لم ولن يعجبها الوضع مهما كان... الثاني : أو يقوم متخذ القرار باتخاذ حزمة من الإجراءات التي ستبدو في ظاهرها وبالا وتضييقا علي الشعب لكنها في الحقيقة ضرورية وهامة بل وملحة وهي بمثابة إجراء عملية خطيرة لمريض يكاد أن يحتضر... وهنا من المؤكد أن تلك الإجراءات ستجعل موقف متخذ القرار بالغ الحرج أمام شعبه... والخيار الثاني هو الذي تمَّ العمل عليه.... وانقسم الناس إلي فرق وشيع... وإن كانت الأغلبية حتي ولو كانت صامتة أو تقوم بالتنفيس و(التفييص) في وسائل ( التفييص) الاجتماعي... فهذه الأغلبية غير راضية عن تلك الإجراءات التي يرونها تعدت مرحلة الإرهاق المادي إلي مرحلة المعاناة أو الإفلاس... وإن كانت تلك الحالة من التنفيس ستمر مرَّ الكرام... وللحق والإنصاف : مسألة الدعم ورفعه بالتدريج أمر حتمي لإفاقة الدولة من وعكتها التي طالت... ولكنه أيضا للحق والإنصاف : لابد من مراعاة ظروف المواطن المطحون... وهذا المواطن نوعان: إما موظفا في الدولة أو يمتهن مهنة حرة... فموظف الدولة محدود الدخل للغاية وبالطبع مرتبه لا يكفي فيضطر للعمل هو وزوجته في عمل إضافي لا يجد معه وقتا لا للراحة ولا حتي لالتقاط الأنفاس فضلا عن رؤية الأولاد ولا أقول تربيتهم! وهذا الموظف مع كل زيادة يعيد حساباته وبالكاد يستطيع العيش إلا أنه بدأ يشعر بأنه من المستحيل مواصلة الحياة مع تلك الزيادة فاليوم ساعاته محدودة فمهما عمل يجد نفسه لن يفي بأقساطه والتزاماته... فماذا يفعل إذن؟! هل ينحرف أو يبحث عن الأبواب الخلفية؟ أم ينتظر السجن هو أو زوجته أو كلاهما باعتبارهما من الغارمين... ووقتها ستتشرد أسرته ويضيع حلم حياته... أمَّا من يمتهن مهنة حرة فهو أيضا قصير اليد قليل الحيلة فهو يبدأ يومه دائما من الصفر فهو كما يقولون ( أرزقي) أي رزقه باليومية... فهذا الصنف ومع ارتفاع الأسعار أيضا سيبدأ في حسبة برما... وسيضاعف ساعات عمله... ولكنه سيواجه أياما أو أسابيعا وربما شهورا بدون عمل نظرا لحالة الركود العامة... وهنا قد تراوده أفكارا شيطانية منها بل وأبسطها سيفكر في مضاعفة الأجرة علي الزبون وعندما يعاتبه يقول قولته الشهيرة: (يعني إحنا هناكل عيالنا)... وهكذا سيضع الموظف يده في جيب الصنايعي عندما يريد أن يقضي مصلحة ما... وسيضع الصنايعي يده في جيب الموظف عندما يقع تحت يده لكي ينفذ له أمرا ما... وسيدور الكل في حلقة مفرغة ولسان حالهم : (منين.. هنقدر.. نعيش..)؟!!! طبعا لم نتطرق للمجرمين والسفلة واللصوص والسوابق والبلطجية وأسرهم... رغم أنهم من نسيج الوطن... ولكن انصبَّ تركيزنا علي المواطن الشريف الذي يلاطم أمواج بحر الحياة الخضم... لا لمجرد التوصيف المجرد لحاله... بل لمحاولة إنقاذه من الغرق والضياع... إذن... هل من حل؟! بالطبع يوجد حل بل وحلول ستساعد متخذ القرار بالتعاون مع المواطنين علي تجاوز تلك الأزمة بدون آثار مدمرة أو تعطيل لمسار البناء... ولكن قبل استعراض تلك الحلول يجب التنويه إلي أمر في منتهي الأهمية والخطورة وهو: بدون إخلاص وحب صادقين لهذا الوطن لم ولن تجدي أي حلول حتي وإن كانت من المريخ!!! فرجاء تصفية النوايا ولو لمرة من أجل رفعة هذا الوطن... وهاكم تلك الحلول والتي أراها متواضعة ولكنها جهد المُقِل: - العدالة الاجتماعية الناجزة والحقيقية: ولتنفيذ ذلك عمليا يجب تفعيل ما تم حصره من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء... والذي علي ضوء إحصاءاته اتضحت لمتخذ القرار طبقات المجتمع ومستوياتهم المعيشية... وأيضا من خلال تفعيل إقرارات الذمة المالية والتي توضح كل ما يملكه كل مواطن... كذلك من خلال البطاقات الضريبية وما تبرزه من واقع حقيقي لدخل كل صاحب نشاط تجاري أو حرفي أو صناعي... فعلي ضوء كل تلك المدخلات يتم التعامل مع كل فئة ماليا بما يتناسب طرديا مع دخولهم... ومن هنا تتحقق جوانب من العدالة الاجتماعية... حيث وقتها لا يتم رفع الدعم عن الكل بل يتم رفعه عن كل فئة بمستوي مختلف... بل قد يصل الأمر أن يتم العفو عن بعض الفئات وتقديم كامل الدعم لهم... وفي المقابل يتم رفع الدعم تماما وفورا من الفئات التي لا تستحقه... أي تم تدبير دعم الفقراء من جيوب الأغنياء وغير المستحقين له وبالقانون والعدل... ولكم أن تتخيلوا مدي سعادة المواطن المتوسط الحال وهو يقوم بتموين لتر البنزين أو السولار لسيارته بسعر معقول ومناسب بينما يري غيره من أصحاب السيارات الفارهة وهو يقوم بتموين سيارته بسعر اللتر الحقيقي... وهذا ليس تشفِّيا بل وضع للأمور في نصابها الطبيعي ولم يكلف ذلك كله أي أعباء علي متخذ القرار... ولم يحتج الأمر سوي قليل من الجهد والتعب في تمييز المستحق من غيره... وصار الأمر بمقياس: أنت معك فلابد أن تعطي... وأنت لا تملك فلابد أن تأخذ... وهذا طبعا لن يتحقق إلا بالتعاون ببن الناس ومتخذ القرار... ولأننا شعب (فهلوي) يجب معاقبة شديدة لمن يثبت تلاعبه في بياناته أو أخذ شيئا لا يستحقه... سواءا أكان غنيا أم فقيرا... - ومن الحلول أيضا: ربط الترقية والمكافآت بما يقدمه المواطن من إنتاج وبما يثبته من كفاءة وليس بالأقدمية... وهنا سيسعي كل مواطن للارتقاء بحاله وستنتهي حالة (الأنتخة). - ومن الحلول : تعديل نظام الأجور للحد من التفاوت الرهيب بين بعض المهن والمهن الأخري... وبالطبع تفعيل الحد الأدني والأقصى بأقصي سرعة وذلك لن يكلف الدولة شيئا فمن خلال معالجة العوار في نظام الأجور سيفيض المملوء علي الفارغ بطريقة الأواني شبه مستطرقة... - ومن الحلول : سرعة تضمين بطاقة الرقم القومي لكل مواطن بالغ بكافة البيانات الخاصة به والمعتمدة من الجهات المختصة وبذلك يضمن متخذ القرار معرفة كل شيئ عن المواطن من خلال ضغطة زر واحدة... فلكم أن تتصوروا أن بيانات التموين والمرتب والبنزين والوظيفة والتأمين الصحي ورخص القيادة والمركبة وشهادات التعليم والموقف من التجنيد وغير ذلك... كل ذاك في بطاقة إلكترونية واحدة... فهذا يضمن سهولة التعامل مع كل مواطن علي حسب مستواه المادي والمعنوي ومن ثَمَّ يتم الحد من التلاعب. - ومن الحلول: أن نكف عن الشكوي السلبية ومستلزماتها من النحيب والنواح وإقامة السرادقات الكربلائية في كل مكان حتي صارت ديدنا وعادة قميئة... ونستبدل ذلك دائما بالتفكير العملي الإيجابي... وأخيرا: كاتب هذه السطور من أصحاب الطبقة التي كانت متوسطة... وليس من المنعمين المرفهين المترفين... ويعاني من كل ما يعانيه الناس... وذلك حتي لا يظنن أحدهم أنني أتحدث من برج عاجي أو من قصر مشيد... ولكني عاهدت الله عز وجل ألا أفعل أو أكتب إلا ما أُومِن بأنه صواب ولو من وجهة نظري المتواضعة... وأن أبني دائما لأن من لم يتعوَّد علي البناء صار من الهدامين... =اللهم احفظ مصرنا.