يظهر المطرب الذي هو شعبي أو يُفترض فيه أن يكون ذلك فلا تسمع منه إلا الكلمات الرخيصة والمعاني المتدنية والألفاظ السوقية.. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد.. لأن أفعال وهيئة هذا المطرب غالباً.. ما تثير الاستفزاز.. وأحياناً الاشمئزاز أشكالهم مخنثة.. وتصرفاتهم كذلك.. ويسألني أحد الزملاء في موقع إلكتروني: ما رأيك في اللجوء إلي مطرب شعبي في غالبية الأفلام التي يتم إنتاجها مؤخراً؟!.. وقلت له: يا أخي أولاً: يجب أن تعرف بأن الغناء الشعبي هو الفن الذي يعكس عادات وتقاليد وسمات الشعب.. ولا يُعقل أن تكون شعبيات هذه الأيام بما فيها من بلطجة وعنف.. هي العنوان لهذا الشعب العظيم بما فيه من شهامة وجدعنة وأصالة.. وبما فيه أيضاً من عيوب.. ومسألة أن يُقال بأن الفن يأخذ ويعكس ما يحدث في الشارع.. هي مسألة كاذبة وغير صحيحة.. لأن مهمة الفن هي إعادة صياغة الحياة.. وأن يكشف لنا الشر لكي نتمسك بالخير.. وأن نرصد القبح لكي نعرف قيمة الجمال.. لكن ما نراه يرسخ الشر ويؤكده ويحول القبح إلي سلوك وأسلوب حياة. وفوق كل ذلك أغلب هذه الأغنيات والأفلام يتم تسويقها في كل مكان ويحفظها الأطفال ويرددونها.. ثم أنها موجودة.. علي التليفونات وتساهم الميكروباصات والتوك توك في نشرها إلي جانب الباعة الجائلين والمحلات.. وكأنها مؤامرة مكتملة الأركان ضد الذوق العام. ولعل ما نراه في الشارع من فوضي يؤكد لنا خطورة هذه الأوبئة الفنية التي تسمي زوراً وبهتاناً بالشعبيات.. ومؤخراً حاولت الإذاعة المصرية مقاومة هذا الفساد الفني بإنشاء إذاعة يتم تخصيصها لتقديم روائع الغناء الشعبي لأقطابه ونجومه الكبار عبدالمطلب محمد قنديل عبدالعزيز محمود محمد رشدي.. وتقديم المنولوجات الخفيفة التي كانت تتضمن دائماً رسالة أخلاقية في ناحية من النواحي والتي قدمها الأوائل ابتداء من يوسف وهبي وحتي حمادة سلطان وعادل الفأر وفيصل خورشيد وقبل أن يتم الخلط بين الأغنية والمونولوج.. لا الأغنية تطورت ولا المونولوج ظل علي حاله ينتقد عيوبًا وسلبيات عديدة نعانيها وكان الشرط الأساسي الذي وضعه الإعلامي الكبير عبدالرحمن رشاد "رئيس الإذاعة" للمسئول عن هذه المحطة.. ألا يقدم من الأغنيات الحالية أو الحديثة عموماً.. إلا ما هو نقي تماماً من تلك الشوائب والجراثيم التي تبدو واضحة في معظم الإنتاج الحالي.. وأن تخلو الكلمات من الإيحاءات وكل ما ينحدر بالذوق العام. وحاول الإعلامي خالد فتح الله مسئول هذه الإذاعة أن يحقق هذا الوعد وأن تكون الأولوية لكنوز الإذاعة القديمة والتي لا توجد في أي محطة أخري.. لكن فجأة توقفت هذه الإذاعة.. والقاعدة تقول إن الحديد لا يفله إلا الحديد.. ومكافحة الأغنية الهابطة لا ينجح.. إلا بنشر الغناء الجيد وأن نفسح المجال لأغنية جديدة تحترم المستمع.. وتعرف جيداً معني كلمة شعبيات التي تحولت إلي إهانة بالغة في الفترة الأخيرة. الفن يا حضرات من يأخذ بأذواق الناس إلي أعلي وليس ما ينزل بها إلي الحضيض.. فلماذا نهين تاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا ونحوِّل الشعبيات إلي فعل فاضح والعياذ بالله!!