في صباح خريفي معتدل من ايام شهر أغسطس سنة 2006 يرن هاتفي المحمول .. بينما أنا أحاول تجاهله تحت وطأة النوم الثقيل بعد سهرة عمل شاقة في تقفيل العدد الأسبوعي من جريدة صوت الأمة الرياضي .. يعاود الهاتف الرنين بالحاح شديد .. أضطر الي القيام متثاقلا .. يأتيني صوت كنت لا أعرفه .. "أنا زميلتك أماني عبد الفتاح أصغر منك بدفعة وبشتغل في الكورة والملاعب وأستاذ جاب الله رئيس التحرير عاوز يقابلك لو عندك وقت يبقي النهاردة عشان هو موجود طول اليوم " أرد عليها وانا بين النوم واليقظة .. "طبعا يشرفني" أغلقت الهاتف بعد أن شكرت زميلتي العزيزة وبعد أقل من ساعتين كنت في الدور الثاني عشر من مبني الجمهورية وقابلتني أماني بترحاب شديد وأخذتني مباشرة إلي مكتب الأستاذ جاب الله الذي قابلني ببشاشته المعهودة رحمه الله ومد يده يسلم قائلا "إزيك ياجلجل " وكان هذه الجملة "إزيك ياجلجل " بمثابة البلسم الذي غمرني وأضاع أي رهبة داخلي .. وهي ذاتها المفتاح الذي استطعت به حسم قرار صعب وقتها وضعه الاستاذ جاب الله أمامي بعد ان طلب مني الإنضمام لكتيبة الكورة والملاعب العريقة مقابل أن أترك صوت الأمة الرياضي وأتفرغ منتظرا التعيين الذي صارحني هو أنه قد يتأخر لسنوات .. طبعا كنت أمام خيار صعب وشكرت الأستاذ جاب الله وهممت بالإنصراف واعدا اياه بالتفكير في الموضوع لكنه فاجأني أثناء خروجي بقوله " بص ياجلجل أنا عارف ان انت شاب مغترب وممكن تفرق معاك فلوس صوت الامة .. أنا هعصر علي نفسي شادر لمون وأقبل انك تشتغل في الاتنين بس بشرط .." قولت له متلهفا إيه هو؟ .. قال " في اللحظة اللي أقرر أعينك تتفرغ للكورة تفرغ تام " .. انفرجت أساريري وقولت له تمام كده ياريس عداك العيب .. وأنا موافق .. وقد كان ودخلت الكورة والملاعب .. وأهبت نفسي لإنتظار طويل للتعيين لكن حدثت المفاجأة بعد حوالي خمسة أشهر فقط ذهبت كعادتي للجريدة فقيل لي "الأستاذ جاب الله عاوزك " .. دخلت عليه وكان متجهما علي غير عادته ينظر الي الكمبيوتر بدون اكتراث لدخولي فقولت في نفسي ربنا يستر .. فوجدته يمد يده لي بورقه وهو صامتا دون أن ينظر لي فأخذتها علي إعتبار أنها خبر للعدد الجديد .. ونظرت الي الورقة بدون إهتمام لأفاجأ بأنه خطاب تعييني .. ومن فرط ذهولي من المفاجأة غير المتوقعة أو المنتظرة لم أرد .. ولما لم يشعر بأي رد فعل نظر الي رحمه الله وضحكة عظيمة تكسو وجهه من جديد .. ايه ياجلجل في ايه مالك ؟؟.. فلم أرد أيضا .. فقال لي ضاحكا بصوت عالي "مبرووك ..يلا غور شوف شغلك" ومنذ ذلك الحين وحتي الآن وأنا أشعر بإنتماء من نوع خاص للكورة والملاعب .. ليس الإنتماء الوظيفي المعتاد ولكنه إنتماء لعائلة الكورة والملاعب العظيمة وعلي رأسها أستاذي الفاضل خالد كامل رئيس التحرير والتلميذ الأنجب في مدرسة حمدي النحاس الذي استطاع أن يحافظ علي هذا الكيان عملاقا في ظل ظروف عصيبة تعاني منها الصحافة بشكل عام والجرائد الرياضية بشكل خاص .