مدهشة الطريقة التى يتعامل بها الإعلام المصرى مع شهر رمضان، فقد تحول من شهر الفضائل والاقتراب من الله إلى تخمة مسلسلات وبرامج هابطة، لم تختلف (إلا فى بعض العناوين) عما شاهدناه قبل الثورة فى الأعوام السابقة. لقد شنت القنوات الخاصة والحكومية هجوما كاسحا على المشاهد المصرى حين اختزلت نخبة مصر فى الممثلات وفلول الحزب الوطنى وكباتن الكرة والدعاة الجدد، وحين ظهر السياسيون من خارج الحزب الوطنى، ظهروا إما بجوار بعض من هؤلاء، أو كمتهمين عليهم أن يردوا على سيل الاتهامات التى يكررها كل عام بصورة مختلفة «الشعب يريد». نعم فى البلدان المحترمة (وليس فقط الديمقراطية) فإن النخبة ليست فقط السياسيين والعلماء والأدباء ورجال الدين، إنما أيضا فنانون وفنانات ونجوم كرة قدم وغيرهم، إلا مصر التى اختزلت هذه النخبة فى الممثلات والراقصات وكباتن الكرة، بحيث مثلوا رغم الثورة الغالبية الساحقة من ضيوف البرامج الحوارية، وجاءوا ليتكلموا فى أمور شخصية لا علاقة للناس ولا القاهرة بها، وقدموا فواصل ردح متبادلة، لا فيها فكرة ولا موضوع، إنما حواديت مسفة وفضائحية، لا علاقة لها بأبسط قواعد الإعلام والمهنية فى أى مكان محترم فى العالم. ولعل الحجة الدائمة أن الإعلانات تقف وراء هذه البرامج، وأن هؤلاء نجوم شباك، وهو أمر غير صحيح، فمن قال إنه لا يوجد فى مصر آلاف النجوم من العلماء والمهنيين والأدباء والشعراء ورجال الدين الحقيقيين والكتاب والسياسيين قادرون على تقديم رسالة ذات قيمة إلى المجتمع المصرى، بشرط وجود قنوات مهنية ومحاورين قادرين بجهدهم وموهبتهم على أن يبسطوا النقاشات الجادة ويجعلوا المشاهد قادراً على تقبلها وفهمها كما جرى فى مصر فى فترات سابقة، ويجرى فى كل بلدان العالم. لم تتغير طريقة الإعلام فى التعامل مع شهر رمضان المبارك عما جرى قبل الثورة، لا جديد يذكر إلا عودة بعض السياسيين المحترمين إلى الشاشة الصغيرة بعد أن منعوا لسنوات طويلة، ولكن للأسف تم التحاور معهم على الأرضية القديمة نفسها، فهناك لائحة من الاتهامات تقذف فى وجوههم بدلا من مناقشتهم فى أى أفكار أو رؤى سياسية وفق النظرية المباركية الفاسدة «الجمهور عايز كدة»، وتصبح مهمة السياسيين الدفاع عن أنفسهم وتقديم تبريرات لا تهم الوطن ولا مستقبله. خذلنا الإعلام فى رمضان وبقى وفياً لعادته القديمة، وعلينا أن نصبر أنفسنا بأننا فى مرحلة انتقالية نتمنى أن نطويها العام المقبل وكل عام والجميع بخير.