بقوسه ونُشَّابه قنص الصياد أرنبا بريا سمينا، فحمله على كتفه ومضى. لكنه لم يكد يسير بحمله الثقيل بضع خطوات حتى رأى وعلا أبيض يتبختر بين أحجار الغابة متباهيا بقرنين حادين يلمعان في أشعة الشمس كرماح بابل. عندها طرح الصياد الأرنب أرضا، وأدار الرمح بين أصابعه، وسدد رمية موفقة إلى نحر الوعل فأصابه، إلا أن الوعل المسكين وهو يعاني سكرات الموت، اندفع سريعا نحو الصياد بقرن منكس حدادا على حياة كانت حتى قليل في متناول أنفاسه ، فانغرس القرن في بطن الصياد فبُقِرت، وماتا معا في التو واللحظة. ومر بالوليمة ذئب جائع، فثارت شهيته وسال لعابه، لكنه احتار في أمره. بأي لحم يبدأ ذلك القادم من بحور الغفلة وقد رأى أمامه بساطا مفروشا باللحم الطري؟ هل يبدأ الغرير بالفقيد الصغير أم بالوعل مكتنز اللحم أم بصياد لم يرض بالقليل غاص في لجة الدماء حتى ركبتيه. قرر المأسوف على خياراته فجأة أن يبدأ بالقوس الخشبي، فقضم خيوطها فتباعد طرفاها وارتدت العصا كسهم حلبي إلى كبده فمزقته. وصار فارس الليل الحزين طرفا في خلطة غير متجانسة من اللحم والعظام الدافئة على مائدة ذئاب آخرين. متتالية حزينة تلك المعارك الطاحنة على صفحات الجرائد وشاشات التلفاز، تلتف حولها عقول بريئة براءة إخوة يوسف من دماء صيد على قميص عثماني يقطر كل يوم مرارة وحزنا فوق أرصفة الشوارع وتقاطعات الميادين لاختيار فارس بني خيبات الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملأها الرعاع جورا وظلما. مسكين ذلك المصري المأخوذ بالأحداث حتى آخر قصبة وآخر رمح في كنانة المؤامرة التي لم تعد خافية على قرني وعل ولا قدمي أرنب. ومساكين أولئك المتدافعون بالأكتاف في ساحة معركة لن تعرفها صناديق الاقتراع أو هتافات المتحمسين لحورية بحر لم تزر يوما مرافئنا البعيدة. مرثية عزاء لكل من خاض مخاض الفجر ولم ير بأم عينيه براءة اختراع الأمل في موسم التحالفات. ومرثية وداع لأقدام عرفت النبل حين داست فوق أنين رغباتها ذات نهار واحتملت لفح المواجهات وبرودة الرصيف في ساحات الميادين الباردة. وعذرا للأكف التي تجمدت في صقيع الليل تفتش في الخرائب عن وطن استلب ذات خوف وضاع يوم عبور فوق جثث الأصدقاء. عودوا إلى مساكنكم أيها المرشحون لجر أذيال الخيبة يوم تسفر جهنم عن وجهها الكالح وتخرج خفافيش الظلام التي توارت في كهف المراوغة حتى تجمدت دماء الثورة في عروق البركان القادم من أعماق الحزن المكتوم ومدافن الأحلام. وموتوا بغيظكم يا من زرعتم مواسم الأمل في خضرة الميادين الغارقة حد الرعب في خوفها. ومرحبا بالذئاب القادمة من البعيد لتغتال آخر سوسنة في حقل الألغام التي تفجر في وجوه النوار يوم سقط الحلم. هنيئا لكم يا من قدمتم من غياهب الأمس الذي اعتقدنا ذات جهالة أننا طويناه. هنيئا لكم الأرض والعرض وبقايا العظام التي لم تزل دافئة في قبورها وبقايا التراب الذي لم يبع في زمان الهمس والمشي فوق أطراف الأصابع والقبض على الحروف فوق حواف الألسنة. مرحبا بعودة متوقعة لذئاب خوفنا الغجري المعجون بطيبة قلوبنا ورقة عواطفنا. ووداعا لثورة كانت حتى حين بريئة من سهام الأصدقاء وتحالفات الغرف المغلقة.