البداية بسيطة كأى من الحكايات التي يتداولها الجميع، أم يعلو صوتها تحُث أطفالها على استذكار دروسهم والتفوق، ولا تألو جهدًا في اتباع أساليبها الخاصة، والتي تُميز الأم المصرية عن سائر الأمهات في قذف طفلها بأي شيءٍ تطوله يداها، بل وتهديده وترويعه تارةً بالحرمان مما يُحبه، وتارةً بالعقاب الذي تُتقن أساليبه، لكن كل ما سبق، والذي يدخل تحت بند »الأمومة« بالعقلية النسائية المصرية، كان مجرد لهوٍ، مقارنة بما أسفرت عنها أمومة «جميلة» لطفلها عبد الله. على بُعد أمتار من مدخل قرية «هرية رزنة» التابعة لدائرة مركز الزقازيق، بمحافظة الشرقية، وبينما يغط الجميع في نومٍ عميق مع اقتراب ساعات ليل الثلاثاء من الانتصاف، كانت «جميلة» ربة المنزل الأربعينية، كعادتها، تبحث عن أحد طفليها التوأم كي تؤدبه بالضرب، لا لشيء إلا لأنه دائم الشجار مع شقيقته التوأم، فضلًا عن تقاعسه وإهماله في استذكار دروسه في الصف الثالث والأخير بالشهادة الإعدادية، الأمر الذي لم تحتمل معه الأم عناءً وتعبا جديدا يُضاف إلى أطفالها الأربعة الذين تيتموا بوفاة والدهم قبل بضع سنوات، بعدما رحل رب الأسرة تاركًا لها حملا ثقيلا لأطفال وظروف أقل ما توصف بأنها لم تكُن هينة. «عبد الله بيضربني يا ماما».. عبارة سبقت بحث الأم عن طفلها بعدة دقائق على لسان «توأم عبد الله»، والتي كانت تشكو كالمُعتاد من عناد توأمها و«هزاره الثقيل» معها، لكن الشكوى باتت ثنائية بعدما تذكرت الأم فجأة أن الصغير لم يُذاكر دروسه، وأنه في شهادة ويجب أن يحصل عليها بمجموع كبير، حتى يهون الحمل عنها ولو قليلًا. أخذت «جميلة» تبحث عن فتاها في كل أرجاء المنزل، قبل أن يتناهى إلى سمعها صوته داخل المطبخ وقد أسقط أحد الأواني أرضًا، لتهرول إليه وشرر الغضب يتطاير من عينيها، وما إن رأته حتى جذبت يد «المقشة» وضربته بها، لكن الضربة خابت ولم تُصبه، ومعها زادت حدة «زعيق الأم» تُعنف طفلها، قبل أن تجذب «كوبا» وتقذفه تجاهه، إلا أن النتيجة لم تختلف كثيرًا عما حدث في محاولة التصويب الأولى، بينما تناثرت أشلاء المج بعدما اصطدم بالحائط. تهاوي عصا «المقشة» وانكسار الكوب لم تكُن سوى أسباب دعت الأم لتغيير استراتيجية العقاب، وذلك باستخدام وسيلة مُختلفة، لم تكُن سوى «سكين» جذبتها بغتةً في ظل انفعالها وذروة غضبها لتلوح بها تجاه الصغير، إلا أن التلويح كان حادا ولم يتوقف إلا والسكين مغروسة في قلب ابن الأربعة عشر ربيعًا، ليتوقف المشهد برمته لحظات قليلة استعادت فيها الأم رباطة جأشها واستعانت بإحدى السيارات لنقل الطفل إلى مستشفى «الأحرار» التعليمي، لكنه لقي مصرعه فور وصوله المستشفى متأثرًا بإصابته. التحريات بدأها رجال البحث الجنائي، برئاسة الرائد أشرف ضيف، رئيس مباحث الزقازيق، فور ورود بلاغ من مستشفى «الأحرار» التعليمي بمدينة الزقازيق، باستقبال الطفل «عبد الله سعيد محمد عطية» 14 عامًا، طالب بالصف الثالث الإعدادي، مُقيم بقرية «هرية رزنة» التابعة لدائرة المركز، مصابًا بطعنة نافذة بالصدر، وتوفي فور وصوله المستشفى. وتبين أن الطفل توفي متأثرًا بإصابته في القلب مباشرةً، بينما توصلت التحريات إلى أن وراء ارتكاب الواقعة والدة الطفل، وتُدعى «جميلة.م.ال» 38 عامًا، ربة منزل، وجرى ضبطها، قبل أن تُدلي باعترافاتها التفصيلية أمام النيابة العامة حول قتلها لطفلها، والتي أكدت أنها كانت «غلطة ومش قصدها تموته»، لكن النيابة، برئاسة المستشار عبد السلام عابدين، مدير نيابة الزقازيق العامة، وبإشراف المستشار محمد القاضي، المحامي العام لنيابات جنوبالشرقية، رأت غير ذلك، وأمرت بحبسها أربعة أيامٍ على ذمة التحقيقات.