وحدها مصر ..التى تجلى الله على ارضها المصريون فقط هم من يقدمون الدروس التى يحفظها التاريخ فى سجلاته جاء صوت صديقى الصحفى الروسى ذو الأصول العربية ، مستغربا إقبال الناس على صناديق الإقتراع على الإستفتاء ..قال لى توقعاتك السياسية غالبا ما تتحقق ، ربما لأن لديك فهم لإدراة الدولة ..لكن "أن يصدق تحليلك ويتحقق بنزول المصريون إلى الصناديق " . كان صديقى قبل اسبوعين يكاد يجزم على عدم إهتمام المصريين بالتصويت ، ربما لأنهم لا يقبلون على الإستفتاءات تاريخيا ..كما أن يعرفون أن النتيجة محسومة مسبقا ..هكذا تحدث لى صديقى الروسى ، تصورت أنه متأثرا بما يتابعه من الدعاية الإخوانية القادمة إلى مصر عبر الدوحة واسطنبول ..وهنا اقسمت له على أن هذه الدعاية التى تستند إليها ستكون أكبر حافز لزيادة المشاركة ..كما أن هذا الإستفتاء ليس لتعديلات دستورية ، لكن أحد أهم المواد التى سيتم تعديلها ستسمح للرئيس السيسي بالبقاء حتى عام 2024 ..وتمكنه من الترشح لفترة اضافية لست سنوات أخرى ..وهذا هو المطلوب ليس فقط بسبب ما تحقق على الأرض فى كل مكان بمصر فقط ..لكن لأن الإخوان ومن والاهم ، يراهنون على العودة إلى الحياة فى بعد 3 سنوات ..الآن وبعد التعديلات ، سيدفن المصريون فكر الإخوان إلى الأبد . كنت سعيدا بالفوز بالرهان بيننا ..قال لي صديقى الروسى أنه تجول فى لجان منطقة الزمالك حيث يعمل ويقيم ..ففوجئ بالطوابير أمام اللجان ..ومنطقة الزمالك لاتستطيع اى آليات حشد أن تحرك سكانها ..لكنهم خرجوا بقرار ذاتى . فى نفس الحى الراقى ..كان صحفى أجنبى آخر يعمل لصحيفة اسبانية هى ألموندو ..وهى صحيفة معروفه فى اسبانيا ..لم يغادر مكتبه أوبيته ..ولم يطوف بلجان انتخابية قبل أن يكتب تقريرا يحوي على مغالطات وأخطاء ..تجزم أنه حبس نفسه بين فضاءات الدعاية الإخوانية ..وراح الرجل الذى فضحه الصديق والأخ ضياء رشوان نقيب الصحفيين ورئيس هيئة الإستعلامات ..وأرسل ل صحيفته فى مدريد وباللغه الأسبانية ..أخطاء معلوماتية فاضحة بداية من أعداد الناخبيين الذين يحق لهم التصويت ..مرورا بمواد التعديلات الدستورية ."فرانسيسكو كاريون " ..الذى اراح نفسه وراح يرسل من غرفه نومه عبر الكمبيوتر الشخصى تغطية للإستفتاء ..لكن خيرا وسريعا فعلت هيئة الإستعلامات بالرد السريع والفورى . * * * * ثقتى فى المشاركة الفعاله فى الإستفتاء ..كان لجملة اسباب بعضها ناتج عن متابعه رد فعل ما تقوم به الدولة على الأرض من حملة بناء ضخمة وإعادة الحياة للبنية التحتية التى يستخدمها الشعب يوميا من طرق وخدمات ..كما أن المصريين الذى تحملوا صعاب الإصلاح الإقتصادى ، ويتوقعون حصد الثمار فى الفترة المقبلة ..خاصة مع بشاير الخير التى أعلن عنها الرئيس السيسي لأصحاب المعاشات والموظفين ..كما أن قرار رد أموال المعاشات التى ضمتها حكومة وزير المالية يوسف بطرس غالى إلى موازنة الدولة ..مقابل سداد مستحقات المعاشات .. كان قرارا جريئًا برد الحقوق لأصحابها ..وهو فى باطنه رسالة واضحة على تحسن فى اقتصاد الدولة التى لم تعد فى حاجة إلى تلك الأموال المملوكة ل 9 ملايين مواطن ..وهو ما يعني أيضا إعادة استثمار هذه الأموال لصالح صناديق المعاشات وهو ما يتيح تحسن أسرع للمعاشات . كان هناك سبب اضافي لثقتى فى نزول الناس ، وهو الدعاية الكاذبة التى روج لها فضاء الإخوان الممول من دول معادية لبلادنا ..اسلوب الدعاية مستفز للضمير الوطنى ..كما أن أدواته المملة والمستفزة والكاذبة ..كانت دافعا لتذكير المصريين بجرائم الجماعة الإخوانية ما بعد 2011 وحتى الآن ..عائلات الشهداء واقاربهم وجيرانهم أيضا كانت دافعا كبيرا وحاسما على الكذب الإخوانى الساذج ..ومن حسن حظ مصر ، توافر كم الغباء لدى من يدير تلك الجماعه الإرهابية . عوامل عديدة كانت حاسمة فى قرار جمعي للمصريين ، بأن يكون الإستفتاء هو وضع كلمة النهاية للجماعة التى اسسها الإنجليز قبل قرن من الزمان تقريبا ..وعاشت وعاثت فى مصر وغيرها فسادا غير مسبوق ..لقد كانت كل ورقة تدخل إلى صناديق الإستفتاء هى بمثابة شهادة وفاة شعبية لجماعة الإخوان .. نعم هى نهاية مختلفة عن محاولات الملك فاروق ، والرئيس جمال عبد الناصر حظر تلك الجماعه ..لم يكن هناك أى توافق بين الملك وعبد الناصر إلا على خطورة جماعه حسن البنا ..فهى خانت مصر مرات عديده على المستوى السياسى ..ولعل اشهر خيانتها ، هو الإنحياز للإنجليز أثناء مفاوضات الإستقلال ..ورفضهم جلاء اسيادهم الممولون لهم عن مصر وإنهاء قرن من الإستعمار والإستغلال لبلادنا . * * * * لم أكن يوما من المبالين لموجهات الهجوم الإعلامى على مصر من عواصم العدو فى الدوحة وأنقرة ..وأرى أن العودة للوراء من أخطاءنا المعتادة ..وأن افضل طريقة لسحقها هو الإنجاز على الأرض ..الإنجاز الذى يمس الشعب ويشارك فيه بكل فئاته ..فالمعارك التقليدية ربما لا تصلح لكل الحروب ..فعلينا التصدى بوسائل جديدة لا تهمل هجمات العدو القطرى التركى الإخوانى ..وهذا التصدى فقط يأتى اساسا بالبناء والتحديث والتطوير لدولة أكل الوهن والضغف جهازها الإدارى الذي بات يعبد البيروقراطية والروتين ..أكثر من رعايته مصالح الناس . من أكبر صعوبات هذه المرحلة هى الإنفاق الكبير على مشروعات قومية لا يتوقع ان يكون عائدها سريعا ..وهو واقع يحدث فى كثير من الدول التى كانت تستعد للإنطلاق ..وعاشته مصر فى سنوات سابقه ..وكنت دوما من المؤمنين أن إعلام الدولة بكل اشكالة ووسائله هو التركيز على عملية البناء وشرحها للناس ..خاصة أن الشعوب فى كثير من الأحيان تتمتع بذاكرة السمكة ..سريعة النسيان ..فالمشهد قبل 2014 كان مخيفا ، لا يوجد أحد منا ما ضاق زرعا بالإنتظار فى طوابير البنزين ..لا يوجد من سخط بسبب حرمانه من الكهرباء ..لا اظننا نسينا الجراحات التى اجريت على اضواء الشموع .. لا توجد أسرة فى مصر لم تفقد قريبا أو عزيزا لديها جراء نهش فيروس سى كبده ..التى قالت تقارير دولية أن 10 % من المصريين يحملون فى أكبادهم ذلك الوحش الذى لايرحم خاصة الفقراء من أهلنا . أذكر فى كل المؤتمرات السياسية والحزبية والدراسات البحثية التى شاركت فيها قبل 2011 ، كانت تجزم أن أزمة مصر تكمن فى انهيار خدمات الصحة والتعليم ..وكان السابقون فى الحكم يتحججون بالعجز المالى عن الإقتراب من هذين الملفين ..فلا يوجد تمويل ممكن يستطيع مواجهة انهيار الصحة ..ولكن الآن كان هناك انجاز حقيقي فى النهوض بالخدمات الصحية .. الدولة تسابق الزمن فى تنفيذ التأمين الصحي الشامل وربما تدخل الخدمة التجريبية محافظة بورسعيد بعد فترة قصيرة ..التأمين الصحى الشامل لم يكن كافيا للدولة ..لكن مبادرات الرئيس السيسى المتعددة نجحت فى القضاء على فيروس سى ..وإنهاء قوائم انتظار آلاف البسطاء للعلاج الجراحى الذى يفوق طاقاتهم المالية ..أحد المباردات شكلت أكثر من نصف الشعب تقريبا .. لم يعد من تحدثوا عن ازمات مصر فى الصحة والتعليم ، قادرون حتى اقرار الواقع ربما لأنهم بعيدين عن دهاليز السلطة وغير مستفيدين منها ..فكثير من السياسيين يقيسون نجاح أو فشل جهود حكومة على قدر استفادتهم منها . قطار المستقبل لا ينطلق ابدا على حساب الحاضر ..فكل أب أو أم يعانى ويكابد فى حاضره من أجل فقط بناء مستقبل أفضل لأبنائه ..هكذا الدول ..إذا ارادت اللحاق بقطار المستقبل عليها أن تعانى فى حاضرها ..والمتابع لكل الدول التى انطلقت خاصة ألمانيا واليابان ..قامت ونهضت بفعل جيل الآباء الذين ضحوا وعملوا بجد لبناء بلادهم ..وحتى نحن فى مصر وبعد نكسة 67 كان هناك جيل عظيم ، تنازل طائعا عن حاضره من اجل بناء قواعد المجد والنصر ..كثير من الأباء أمضوا عقودا تحت السلاح ..كثيرون منهم تأخروا عن الزواج ، ونذروا أنفسهم لمستقبل بلادهم . وعلى مستوى مصر ايضا ..راهن الأمريكان أثناء بناء السد العالى على عدم استيعاب المصريين للإنفاق الكبير على المشروع الضخم ، ولن يشهدوا عوائده قبل سنوات طويلة ..لكن خاب ظنهم وتقديرهم ..الآن فى بلادنا نتعرض لنفس الموقف تقريبا ..مصر تنفق المليارات على بناء المشروعات الكبرى كمحطات الطاقة العملاقة ، وعاصمة إدراية جديدة و30 مدينة أخرى ..ربما نحتاج إلى سنوات لنشعر بعائدها على المستوى الشعبي ..ولكن المؤكد أنها ستحسم حرب بناء المستقبل لصالح الأجيال الجديدة . رسالة