الدولار اليوم.. أسعار العملات الأجنبية في البنك الأهلي وموقف السوق السوداء الثلاثاء 16-4-2024    أسعار الدواجن والبيض الثلاثاء 16 أبريل 2024    إسكان النواب: قبول التصالح على مخالفات البناء حتى تاريخ المسح الجوي 15 أكتوبر 2023    نتنياهو يطلب من الجيش تحديد أهداف المنشآت النووية الإيرانية    تحرك برلماني ضد المخابز بسبب سعر رغيف العيش: تحذير شديد اللجهة    هل هناك خطة للانتهاء من تخفيف أحمال الكهرباء.. الحكومة توضح    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    ملك الأردن يحذر من خطورة دخول المنطقة في دوامات عنف جديدة    ضرب وشتيمة.. مشاجرة عنيفة داخل برلمان أوروبي بسبب مشروع قانون    لحظات مرعبة.. تعرض كاهن للطعن على يد مجهول بكنيسة في سيدني |فيديو    تعليق محمد هنيدي على فوز الزمالك بلقاء القمة في الدوري الممتاز    عاصفة خماسينية.. بيان مهم بشأن الطقس غدا الأربعاء: «أحكموا غلق النوافذ»    مراجعات الثانوية العامة 2024.. راجع مادة التاريخ للصف الثالث الثانوي    فيلم السرب يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي بعد طرح البرومو    ننشر حصاد مديرية الصحة بالمنوفية خلال عيد الفطر | صور    الاتحاد المصري لطلاب صيدلة الإسكندرية يطلقون حملة للتبرع بالدم    خبير تحكيمي: كريم نيدفيد استحق بطاقة حمراء في مباراة القمة.. وهذا القرار أنقذ إبراهيم نور الدين من ورطة    «حلم جيل بأكمله».. لميس الحديدي عن رحيل شيرين سيف النصر    أحمد كريمة: من يتعاطى مسكرا ويرتكب جريمة يعاقب كغير السكران (فيديو)    رضا عبد العال يكشف مفاجأة مثيرة بعد خسارة الأهلي في القمة    الهلال ضد العين في دوري أبطال آسيا.. الموعد والقنوات الناقلة    خالد الصاوي: بختار أعمالى بعناية من خلال التعاون مع مخرجين وكتاب مميزين    مواقيت الصلاة في محافظات مصر اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    كيلو اللحمة البلدي سيصل 350 جنيها.. ومتوقع تراجعها قيل عيد الأضحى| تفاصيل    19 أبريل.. تامر حسني يحيي حفلاً غنائيًا في القاهرة الجديدة    تفاصيل إعداد وزارة التعليم العالي محتوى جامعي تعليمي توعوي بخطورة الإنترنت    إبراهيم نور الدين يكشف حقيقة اعتزاله التحكيم عقب مباراة الأهلى والزمالك    حسن مصطفى: أخطاء كولر والدفاع وراء خسارة الأهلي أمام الزمالك    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها (فيديو)    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    هل نقدم الساعة فى التوقيت الصيفي أم لا.. التفاصيل كاملة    بايدن يؤكد سعي واشنطن لتحقيق صفقة بشأن وقف إطلاق النار في غزة    جمارك مطار القاهرة تحرر 55 محضر تهرب جمركي خلال شهر مارس 2024    هيئة الدواء المصرية توجه نصائح مهمة لانقاص الوزن.. تعرف عليها    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    مع اقتراب عيد الأضحى.. الإفتاء توضح شروط الأضحية والعيوب الواجب تجنبها    الاستعلام عن صحة 4 أشخاص أصيبوا في انقلاب أتوبيس بأوسيم    طرح برومو فيلم السرب تمهيدا لعرضه قريبا    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    بعد نحو عام من الصراع.. مؤتمر باريس يجمع 2 مليار يورو للسودان    وزير خارجية إيران: طهران تستطيع تنفيذ عملية أوسع ضد إسرائيل    نتنياهو: هناك حاجة لرد إسرائيلي ذكي على الهجوم الإيراني    رئيس تحرير «الأهرام»: لدينا حساب على «التيك توك» لمخاطبة هذه الشريحة.. فيديو    خبير تعليمي: عقد مراجعات نهائية للطلاب يعمل على استعادة المدرسة لدورها التربوي    رئيس مجلس إدارة «الأخبار»: ملف التعيينات مطروح مع «الوطنية للصحافة»    برج الجوزاء.. حظك اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024: انتبه لنفقاتك    رئيس تحرير "الجمهورية": لا يمكن الاستغناء عن الأجيال الجديدة من الصحفيين.. فيديو    ضبط شاب تعدى على شخص بسلاح أبيض فى بنى عبيد بالدقهلية    الإعدام لمتهم بقتل شخص بمركز أخميم فى سوهاج بسبب خلافات بينهما    تكريم 600 من حفظة القرآن الكريم بقرية تزمنت الشرقية فى بنى سويف    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    اليوم.. فتح باب التقديم للمدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2024 / 2025    اليوم.. جلسة النطق بالحكم على المتهمين بقتل سائق توك توك فى الدقهلية    خطوات إضافة تابع في حساب المواطن 1445    لست البيت.. طريقة تحضير كيكة الطاسة الإسفنجية بالشوكولاتة    تعرف على جهود مستشفيات المنوفية في عيد الفطر    تجديد اعتماد المركز الدولي لتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس والقيادات بجامعة المنوفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية حضارة الورق في مصر‮!‬
نشر في أخبار الحوادث يوم 03 - 12 - 2016

مثلما يتبادل الناس في الشوارع الأحاديث عن القفزات المتتالية في أسعار كافة المنتجات يتبادل المثقفون مؤخرا أخبار الجنون الذي أصاب سوق الكتاب في مصر،‮ ‬بالطبع لا أحد‮ ‬غيرهم يهتم،‮ ‬لن تجد مثلا متابعات في الجرائد أو رصدا للغضب بين الناس بسبب‮ ‬غلاء أسعار الكتب،‮ ‬أو اقتراحات عن كيفية السيطرة علي هذا الانفلات،‮ ‬والمؤكد أننا لن نسمع عن مداهمات علي مخازن كتب احتكرها أصحابها ومنعوا بيعها ليحققوا منها أعلي ربح ممكن‮.‬
الكتاب واحد من السلع التي يمكن للتاجر أن يتحكم في سعرها من‮ ‬غير سؤال ولا رقابة من جهة ما،‮ ‬كل الكتب تقريبا زادت أسعارها بمعدل الضعف علي الأقل،‮ ‬وخاصة المترجمة والمطبوعة خارج البلاد،‮ ‬ومن يملك دولارات للاستيراد يفرض السعر الذي يوده،‮ ‬ربما يكون الوحيد الذي يملك ما تريد،‮ ‬والكتاب بالنسبة للمثقف مثل السكر للمواطن العادي‮.. ‬تشبيه مبتذل لكنه يفي بالغرض ويناسب تماما المرحلة التي نمر بها‮. ‬
في واحدة من المكتبات الحقيقية القليلة في وسط البلد كنت أتفحص الكتب محاولا تقدير الأسعار الجديدة،‮ ‬بينما كان زبون آخر يعترض والبائع يرد بما اتفق عليه كل التجار‮: ‬زيادة الدولار وضرورة رفع أسعار القديم ليتمكن من الاستمرار،‮ ‬خلاف ذلك يعني الخسارة وربما الخروج من السوق،‮ ‬من ناحيتي تفهمت وجهة نظر البائع،‮ ‬لكن عندما أخبرني أن ثمن الكتاب الذي أريد يزيد عما قدرت بثلاثة أضعاف تركته وأنا أفكر في احتمالات الخروج مع الزبون الآخر لتنظيم مظاهرة من طلعت حرب وصولا لميدان التحرير نطالب فيها الدولة بالتدخل‮.‬
في ذلك اليوم كنت محظوظا بالحصول علي النسخة الأخيرة من‮ "‬مائة عام من العزلة،‮ ‬إصدار سلسلة ال‮ ‬100‮ ‬كتاب،‮ ‬السعر لم يصل لعشرة جنيهات،‮ ‬البائع قال إنه لا يفهم إن كانت سلعة مثل هذه عليها مثل هذا الطلب المتزايد فلماذا لا تطبع الهيئة عددا أكبر من النسخ؟ قلت له إن الفترة المقبلة بالتأكيد ستشهد مطالبات مثل هذه لوزارة الثقافة،‮ ‬لكنها‮ ‬غالبا لن تفعل شيئا،‮ ‬بل علي الأغلب ستكون الوزارة أول المنسحبين من هذا السوق،‮ ‬لديها عقلية خاسر،‮ ‬والدعم في طريقه للزوال،‮ ‬والخطاب المنمق حول دور الثقافة في المجتمع لن يكون مفيدا في مواجهة احتياجات أساسية،‮ ‬وميزانية كارثية‮.. ‬هذا وقت التضحيات،‮ ‬ووقت الإجابة عن أسئلة صعبة‮: ‬هل للثقافة بالفعل دور ما؟ ما الذي سيحدث علي أي حال إن استيقظ الشعب المصري فلم يجد كتبا في المكتبات،‮ ‬طبعا ستدور نقاشات مطولة ومقالات تتساءل كيف لقوة مصر الناعمة أن تنتهي؟ لكن ذلك لن يكون له أثر،‮ ‬موضوع يبقي لبعض الوقت،‮ ‬ثم‮ ‬يمل الناس من متابعته لينتهي إلي مجموعة من المثقفين والفنانين يبحثون عن طرق للحصول علي كتبهم‮. ‬
أحد الباعة في مكتبة مؤسسة حكومية قال إن بعض المطابع اضطرت إلي دفع الشرط الجزائي لوزارة التربية والتعليم والذي يصل أحيانا إلي‮ ‬750‮ ‬ألف جنيه لفسخ عقودها الموقعة معها لطباعة الكتب التعليمية،‮ ‬من فعلوا ذلك ضربتهم الأسعار الجنونية للورق والأحبار،‮ ‬ووجدوا أن مبلغ‮ ‬الشرط الجزائي أهون من الخسارة الرهيبة التي ستلحق بهم إن نفذوا الطلبيات بأسعار التعاقد‮. ‬الخسارة كما أكد البائع،‮ ‬قد تصل في الصفقات المتوسطة لما يقرب من مليونين،‮ ‬منهيا ذلك بالتأكيد علي أن الحال لو استمر هكذا،‮ ‬ولا توجد أي مؤشرات علي أنه سيتوقف،‮ ‬فإننا سنشهد نهاية عهد الكتاب المدرسي‮. ‬تأكيدا علي كلامه بعدها بأيام قرأت تصريحا لوزير التعليم يقول فيها إنه مستعد لسماع كل الاقتراحات لبدائل الكتاب المدرسي‮.. ‬
يظل معرض القاهرة الدولي للكتاب الأمل الوحيد الباقي،‮ ‬هذا بالطبع إن استمعت الدولة مثلا لما كتبه نبيل عبد الفتاح تحت عنوان‮ "‬معرض القاهرة الدولي للكتاب في خطر‮!": " ‬معرض القاهرة الدولي للكتاب الأكبر في المنطقة‮- ‬بدور النشر المشاركة وزواره وأنشطته‮ - ‬يواجه في‮ ‬دورته القادمة مشكلة‮ ‬كبري تؤثر علي مكانته ودوره بعد تعويم الجنيه،‮ ‬وتأثير ذلك علي القدرة الشرائية للقراء المصريين في اقتناء الكتب،‮ ‬وذلك لأن الناشرين العرب والأجانب يحددون أسعار كتبهم بناءً‮ ‬علي سعر صرف الجنيه المصري إزاء الدولار،‮ ‬بالإضافة إلي الرسوم المقررة لحجز أجنحتهم في المعرض،‮ ‬وهو أمرُ‮ ‬دفع عديدين منهم إلي عدم إبداء الرغبة في المشاركة هذا العام بسبب ارتفاع الرسوم،‮ ‬وهو الأمر الذي يحاول من خلاله بعض الناشرين أن يطرحوا أنفسهم بديلاً‮ ‬عن الهيئة العامة للكتاب،‮ ‬في إقامة المعرض سنوياً‮ ‬في المستقبل‮."‬
عبد الفتاح أنهي مقاله بمناشدة رئيس الوزراء‮: " ‬نناشد السيد رئيس الوزراء بسرعة التحرك لإنقاذ معرض القاهرة الدولي للكتاب واتخاذ ما يراه من إجراءات لإعفاء الهيئة العامة للكتاب من رسوم إيجار المعرض،‮ ‬وبعض التيسيرات الأخري من أجل استمرارية المعرض كإحد علامات دورنا الثقافي في العالم العربي‮."‬
أتمني بالطبع أن تستمع الدولة لما كتبه نبيل عبد الفتاح،‮ ‬وللأصوات التي بدأت في الانتباه لهذه الأزمة المقبلة،‮ ‬لا أرغب أن تفكر الدولة في القوة الناعمة كمبرر،‮ ‬أو دور الثقافة في المجتمع،‮ ‬لا أظن أن أمورا مثل هذه لها قيمة لديها الآن،‮ ‬لكن حتي علي الأقل نتمكن من كتابة الأرقام التهليلية المصاحبة للمعرض‮.. ‬ملايين الزائرين والمئات من دور النشر،‮ ‬وحتي يجد ضيف شرف المعرض جمهورا ما،‮ ‬ما جدوي أن تأتي بضيف شرف وتتركه في تلك البقعة الباردة وحيداً‮!‬
الأكيد أن الكتاب لن يختفي،‮ ‬لكنه سيتحول،‮ ‬وذلك بدأ بالفعل،‮ ‬ثقافة ال"بي دي إف‮" ‬بدأت تكتسب شعبية أكبر،‮ ‬لست في حاجة إلي اتصال بالإنترنت ليكون لديك مكتبة محترمة،‮ ‬في كل المجالات،‮ ‬دعك من كلام الجيل القديم صاحب نظرية ملمس الورق ورائحته،‮ ‬هذا المنطق يسقط أمام التكلفة،‮ ‬زيرو تقريبا السعر الذي تدفعه للبي دي إف،‮ ‬علاوة علي سحر أن تحتفظ بمكتبتك كاملة في جيبك‮.. ‬المشكلة الوحيدة أننا سنضطر للانتظار للحصول علي الحديث،‮ ‬حتي يتمكن أحدهم من قرصنة هذا الجديد ورفعه علي الإنترنت،‮ ‬وبعد وقت عندما تتزايد الأعباء علي الناشرين ويختفي الطلب علي سلعتهم لن نجد إلا الكتب القديمة فقط‮.‬
غير أنه مثلما يقولون فإنه في كل مأساة هناك جانبها الإيجابي،‮ ‬مثلا ستختفي كل الكتب‮ ‬غير الجيدة،‮ ‬لن يبقي إلا الأكثر مبيعا،‮ ‬أو ما يقدم شيئا مختلفا ويجد ناشرا مازال مؤمنا بما يفعل،‮ ‬لن يجد كل من خطرت له فكرة أن يكون شاعرا أو روائيا أو باحثا في التاريخ والتراث،‮ ‬مجالا إلا إن كان لديه ما يستحق المغامرة،‮ ‬لن تدور المطابع من جديد لطباعة مقالات الكتاب المجمعة،‮ ‬ولا الكتب الصفراء،‮ ‬ربما تنتهي إلي الأبد جريمة التضحية بالأشجار لصالح كلمات لا يهتم بها إلا المؤلف وأصدقاؤه،‮ ‬ربما ينتهي إلي الأبد هذا الادعاء بالثقافة،‮ ‬لا كتب لنقيم حولها ندوات لا نعرف لماذا نقيمها أصلا،‮ ‬إلا لأنه هكذا جرت العادة‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.