نقرأ التاريخ مرسومًا، هذا ما يقدمه لنا هذا الكتاب. هل القراءة هي الوصف الأكثر دقة؟ الرسوم والكتابة يتداخلان معًا ليسردا حكاية من الماضي. نتأمل كيف ينحاز المترجمان لطريقة كتابة محددة لكتابة الأسماء مثل الكنكرس أي البرلمان الأمريكي أو مِرْفِي للإشارة إلي مدمرة ضمن أساطيل البحرية الأمريكية شهدت أولي خطوات تدشين التحالف الأبدي بين أمريكا والسعودية. أغلب الأسماء هنا وظفت بشكل جديد يتناسب مع طريقة النطق الأدق للأشياء والأفراد، من جانب ناطقي اللغة الإنجليزية، بدلًا من الأخطاء الشائعة في الترجمة أو استخدام الكلمات المعتادة عند النطق. نشاهد هذه الرؤية الفنية للتاريخ. نعيد ترتيب قصص مُشتتة لحركة نشطة من أمريكا الدولة الجديدة داخل المنطقة، نعيد التفكير في هذا الزمن الأمريكي في منطقتنا، كيف أثرت حركتهم في تاريخ أسلافنا. دون تحذيرات أو كلام عن مؤامرة نشاهد رحلة مشوقة، تحرّكها تفاعلات المصالح، مع كتاب "أعداء حميمون فصول من تاريخ علاقات الولاياتالمتحدة بالشرق الأوسط". الكتاب من تأليف "جان بيير فيليو" و"دافيد ب."، الذي رسم الكتاب أيضًا، وترجمه للعربية: أحمد غربية وريم نجيب. الحكاية ليست بين دفتَي كتاب من 118 صفحة فقط، وإنما تتسع لتشمل العالم الإسلامي، العراق، إيران، الجزائر، ليبيا، تونس، مصر في بعض الأحيان، ولا نعرف إلي أين ستنتهي في الأجزاء القادمة، ما صدر عن مرسوم (دار التنوير) ليس إلا أول الأجزاء. يحكي الكتاب في هذا الجزء عن المنطقة في الفترة من 1783 إلي 1953. خيال ممكن فكرة رسم مسار من الحكايات التاريخية تبدو مثيرة، خاصة أن مسارنا لتخيل حكايات الماضي دائمًا يعوزه وضع الأشكال، ومحاولة الإمساك بها. مثلا كيف كانت الصور الحيّة، شكل الحياة والملابس، طرق تهذيب اللحي وقص شَعر الرأس. كيف يقدم ما جري مع إضافة رؤية معمقة وناقدة. نري مع هؤلاء الأعداء نموذجًا جيدًا للحكي/ للمعرفة دون التخلي عن تحليل، دون أن يؤثر ذلك علي سَير الحكاية وإيقاعها. بين أربعة فصول: "قصة قديمة"، "قرصنة"، "النفط"، و"انقلاب"، نتابع رسم التاريخ بداية من تسلل "كلكامش" إلي جبل لبنان لسرقة أشجار يؤسس بها معبدًا في العراق القديم، حتي المغامرات الحربية، البحرية والبرية كذلك، لتأمين مرور السفن التجارية في المتوسط في مواجهة قراصنة مسلمين، حتي العمل علي الاطاحة بحكمٍ باشا في ليبيا خلال زمن بايات شمال أفريقيا أو إزاحة رئيس حكومة وطني في إيران حينما كانت تحت قبضة الشاه محمد رضا بهلوي (1947- 1979). يمكن للقارئ أن يتخيّل كيف كان محمد مصدق، رئيس الحكومة المنتخب من البرلمان الإيراني يدير البلاد بشكل يخالف مصالح شركة النفط الانكلوإيرانية. يبدو رجلًا عليلًا علي سرير منخفض في بيجاما مخططة. يستقبل هذا الرجل ممثلي بريطانياوالولاياتالمتحدة، ويحدثهم بالفرنسية، ويُملي شروطه. تجري أول محاولة لإزاحة مصدق في 28 فبراير 1953 يحيط متظاهرون مؤيدون للشاه ببيت رئيس الوزراء، الذي يفر من الباب الخلفي ويتوجه للبرلمان. ستنجح خطة التخلص من مُؤمِّم النفط الإيراني فيما بعد. خطوط كثيرة سنشاهدها مرسومة، ستنظم الولاياتالمتحدة مظاهرات مؤيدة للشاه معارضة لمصدق، حرّكت جماعات من البدو بعد اتفاق المخابرات الأمريكية مع شيوخ قبائل إيران. نلمح، في هذه المشاهد، لمسات تعكس رؤية بصرية محرّكة للقارئ، حيث تضاف تفاصيل من خارج السياق التاريخي مثل حضور محارب روماني، من مجد الإمبراطورية القديمة، وقد نَقَشَ علي صدر درعه المعدني شعار الخارجية الأمريكية. سيحاكم مصدق عسكريًا، ويدان بالسجن لمدة ثلاث سنوات. سيرفض عفو الشاه عنه، وبعد قضاء المدة سيبقي حبيسًا بداره يقرأ ويطبخ حتي يموت في العام 1967 . أسري لوعود قديمة يحفل الكتاب بالألعاب البصرية. حينما وصل الأسطول الرابع مع الكمدور (رتبة تعادل عميد في البحرية المصرية) "برن" وبدأ في حصار طرابلس دون قصفها يخطو القنصل طوبياس لير من مشهد لآخر. تستقر ساق في واحد بينما ساقه الأخري تعبر لتستقر أمام يوسف قره مانلي باشا حاكم ليبيا في مطلع القرن التاسع عشر، ليؤكد الرسام أنه كان متعجلًا للمثول أمامه ليفاوضه وفي الوقت نفسه تحاك خطة أخري في مصر. تتفق أمريكا مع شقيق الباشا الليبي المستبعد من الحكم. يتحرك جيش في الصحراء يتكون من جنود هاربين من الجيش المصري، مغامرين من الشرق الأوسط، روم، وأمريكيين مع شقيق الباشا ليحل محله في الحكم. نشاهد تداخل هذه المسارات بصريًا بشكل يلف الحكاية بالحيوية. كما ينقلب الرسم رأسًا علي عقب أكثر من مرة في رصد أحداث القرن العشرين. ينحني جسد يمثل الأمريكان لينقب عن مصالح جديدة في بحار النفط الخفية بالشرق الأوسط بالتزامن مع استمرار طبول الحرب العالمية الثانية، ليشير الرسم للتغيّر المُفاجئ في موقف هذا البلد البعيد بعدما كان يعاني خلال القرن السابق من القراصنة المسلمين. يمتد الجسد الأمريكي منحنيًا لأسفل معبرًا عن شغفه بالدخول إلي شمال أفريقيا بحثًا عن النفط. نتجول في رؤية مرسومة. المواقف محددة بصرامة، حول دور السياسات، الأمريكية وقبلها البريطانية والفرنسية، في المنطقة. يوجز الكتاب ماضي وحاضر ومستقبل الشرق الأوسط في وعود بريطانية ثلاثة، يعتبرها متناقضة كان أولها إعلان بلفور، المملكة العربية للثوار البدو الذين ساسهم الكولونيل لورانس، وأخيرًا اتقاق سيكس بيكو. رغم تعمد التكثيف المُخل للماضي والحاضر والمستقبل كذلك إلا أن ذلك لا يخالف الصحة. الوعود أثرت ولا تزال مؤثرة، اللافت أن موقف واشنطون كان سلبيًا إزاء وصاية فرنساوبريطانيا وكذلك تجاه الحرّاك القومي للعرب في بلدانهم المختلفة. كما يرسم "دافيد ب." بريطانيا في جسد عسكري له رأس يحمل ثلاثة أوجه متطابقة، يصرح كل واحد منها بوعد من الثلاثة. يخرج كل وعد في بالون كلام. تتجسد كل من فرنساوبريطانيا في جسديَن عسكريَين وهما في وضعية الوقوف علي أربع. بينما يقع أسفل كل منهما بلاد عربية في إشارة للاحتلال، لا تظهر أمريكا في هذا المشهد من الأساس. نسور منتصرة كانت السعودية البلد الوحيد خارج سيطرة كل من بريطانياوفرنسا وهو ما يجعلها الموقع المناسب للقوات الأمريكية في المستقبل. سينظم أول مشاورات تنسيقية بين السعودية والولاياتالمتحدة في لقاء سرّي علي متن مدمرة تابعة للبحرية الأمريكية، حتي لا يعرف أحد من أعداء الملك أنه ليس علي بر مملكته، خشية لقلاقل كان مع الملك عبد العزيز حاشية قوامها خمسون شخصًا. أراد الملك المؤسس أن يُطعِم طاقم المدمرة بالكامل فأحضر قطيعًا من الخراف. أقيم لعبد العزيز بيت شَعْر، أي خيمة كبيرة نسيجها من شَعر الحيوانات، ليس من الأقمشة. كان نزول الملك السرّي علي متن القطعة البحرية مثمرًا، حيث شهد يوم 14 فبراير 1945 أول لقاء يجمع بين فرانكلين روزفلت ومؤسس السعودية. يرسم "دفيد ب." رأس كل منهما وهما يحنيان هامتيهما ليتأملا بعض المزروعات في الأرض يحدث دمج بين الرأسين ليصبحا رأسًا واحدًا، ليعبر عن ولعهما المشترك بالزراعة. الرئيس والملك يندمجان من مخيهما بالرسم، ثم يبدأ الكلام عن يهود أوروبا، مأساتهم ومصيرهم. يقترح رئيس أمريكا منحهم حق الهجرة بلا قيد إلي فلسطين، فيرد مؤسس السعودية: "فلتعط اليهود وسلالتهم أجود أرض وأفضل بيوت الألمان الذين اضطهدوهم"، ثم يردف قائلا: "فلسطين بلد صغير فقير. أهلها ساندوا بإخلاص المجهود الحربي للحلفاء." بعدها سيتعهد الرئيس الأمريكي ألا يتخذ أي قرار فيما يخص مستقبل فلسطين إلا بعد التشاور مع السعودية. حسب هذا الوعد ستؤسس العلاقة الاسترتيجية المستمرة بين البلدين. كانت أولي الثمار المؤازرة في الحرب بمد جيوش الأمريكان بالنفط، لكن الرئيس الأمريكي هاري ترومان، التالي لروزفلت، سيؤيد تأسيس دولة إسرائيل. يختتم الجزء الأول من الكتاب علي رسم ضخم لقائد عسكري في لباس الجيش الأمريكي. مع هذا الرسم كتب: حقبة القوي الاستعمارية قد انتهت. الحقبة الأمريكية قد بدأت. يترك "أعداء حميمون" القارئ مع ختام يحفزه لتخيل ما سيرسم فيما بعد، وهو ما مرّ الجزء الأول عليه سريعًا، في صفحاته الأولي، بمشهدين يقاربان بين ما جري في سجن أبو غريب ونصب سومري قديم تتكوم فيه الجثث العارية للمقهورين كدليل علي النصر، كل منهما "نصب النسور" يقام علي حساب الضحايا قديمًا وحديثًا كذلك. الكتاب هو ترجمة لكتاب LES MEILLEUکS ENEMIS, »ol 1 (Futuropolis, 2011) الصادر في فرنسا.