رغم مرور الزمن والتقدم التكنولوجي الكبير، مازالت مهنة » العرضحالجي» في موقعها أمام المحاكم ودواوين الوزارات والمصالح الحكومية التي ترتبط بمصالح المواطنين اليومية، وتعد من اقدم المهن حيث كانت بدايات ظهورها في عام 1942، واصبح العاملون فيها علي أبواب الاحتفال بعيدها الماسي وقد قل عددهم واصبحت مهنتهم العريقة في طريقها للاندثار. يبقي أن العرضحالجي مازال له دور ومازال هناك من يطلب خدماته، ولكن بشكل عصري، في حين اختفي الشكل القديم له الذي نراه في افلام الأبيض والأسود، وهو يرتدي جلابية »كالحة اللون » أو بدلة كاملة ويضع فوق رأسه الطربوش ومن تحته المنديل المحلاوي العريض ذو الألوان المتقاطعة، ويقدم خدمته لمن يطلبها وهو يجلس تحت مظلته علي ترابيزة خشبية صغيرة، وعليها دباسة ضخمة ومجموعة من الورق وبعض الملفات الخاصة بخدمات المواطنين. وكنا علي لقاء مع محمد ابراهيم- 62 سنة مشهور بعم ابراهيم كما يناديه الكثيرون بالمنطقة، باعتباره أحد المخضرمين وشيوخ هذه المهنة، حيث يزاول مهنته امام »محكمة عابدين» بالعتبة خلال الايام التي تعمل فيها المحكمة، من الساعة الثامنة صباحا وحتي الخامسة مساء ليكسب »لقمة عيشه» بالحلال.. وكما يحكي لنا فهو حاصل علي شهادة الابتدائية وعمل بهذه المهنة وهو شاب منذ حوالي 40 سنة واكتسب منها قوته وتمكن بها من تربية اولاده، ويقول: »هذه المهنة اوشكت علي الانقراض»، ويفسر ذلك بزيادة نسبة تعليم القانون في مصر وتضاعف نسبة الخريجين من كليات الحقوق سواء الحكومية منها او الخاصة، ويشرح لنا كلمة »العرضحالجي» ويقول: هي كلمة مشتقة من »عريضة» وهي الشكوي ويقوم بكتابتها بيده ومن الممكن ان ترفع هذه الشكوي عن طريق محام او بدون، ولا يشترط ان يكون العرضحالجي مؤهلا لهذه المهنة ولكن أن يكون فاهما لأسرارها. ويشير عم ابراهيم إلي أن تحويل قضايا ومشكلات المواطنين إلي موضوع مكتوب بعناية فن وعلم وخبرة ويقول : »فكل شيخ وليه طريقة» تميز العرضحالجي عن الاخر، موضحا ان اكثر موسم تزدهر به هذه المهنة في ايام انهاء الشباب للتجنيد أو التقدم للوظائف الحكومية اما عدا ذلك فهو شغل عادي. أما أكثر ما يضايقه فهو تعرضه للهجوم من قبل المحامين الذين يدعوننا بالمتطفلين علي المهنة، في حين أن الناس تفضل التعامل معنا لان اسعارنا تنافس اسعارهم، ويدعو إلي تأسيس نقابة للعرضحالجية، فهم رغم تاريخهم الطويل مازالوا بلا حقوق او تامين صحي او معاش مما يهدد مصيرهم ومصير اسرهم بالخطر بعد ان يكبروا في السن، وهكذا احتاج العرضحالجي إلي »عرضحالجي»، ليكتب شكواه ويحل مشكلته!