أشعر بارتياح شديد إزاء أية كتابات أوتحقيقات موضوعات صحفية ترصد حالة التضخم والعشوائية وتقدم حلولا لهذه الظاهرة التي تنال من عاصمتنا القاهرة قاهرة المعز خاصة بما تشكله في وجداننا من مشاعر عزيزة وذكريات غالية كمدينة عريقة كان يسودها كل مظاهر التحضر من نظافة وهدوء وجمال ورقي لم نعد نراه علي أرض الواقع لأسباب كثيرة كلنا يعرفها ويطول شرحها. ولكن في تصوري أن السبب الرئيسي لهذه الظاهرة بل الكارثة وهذا الاختناق الذي تعيشه القاهرة هو هدم العقارات القديمة من عمارات وفيلات لإقامة أبراج ومجمعات سكنية فمنطق الأمور والبديهيات يقر أن لكل شيء طاقة وحدوداً فكما أن للطائرة أو السيارة أوحتي الدابة قدرة أو طاقة معروفة من الممكن تجاوزها بنسب معقولة وليس بأي حال عشرين أو خمسين أو مائة ضعف "كما هو الواقع في حال هدم العقارات القديمة من عمارات وفيلات لإقامة أبراج ومجمعات سكنية" فكذلك هو الحال بالنسبة للمرافق من شوارع وكهرباء ومياه ومجاري. فكيف بالله من الممكن التصريح بهدم فيلا أو عقار يشغله أربعة أو ستة سكان ويصرح بإقامة ثلاثة أو أربعة أبراج يشغلها مائتان أو أكثر شاغل وذلك إلي جانب المولات والمحلات التجارية "حتي أن بعض حدائق البيوت قد تم استبدالها بأبراج" دون أن يحدث شلل أو اختناق كما هو حادث الآن. الغريب في هذا الأمر شيئان الأول هو الهمة العالية التي تجري بها هذه الجريمة المتعمدة التي ترقي إلي مستوي التخريب المتعمد والأمر الثاني هو أن من يعطي تصريح الهدم وتصريح البناء هو نفسه من يدعو إلي مؤتمر لحل مشاكل القاهرة وكأن استبدال العقارات القديمة بهذه المجمعات السكنية لا علاقة له بهذا الأمر. لو أن هناك من هو جاد ويريد أن يضع حلا لهذا العبث والتخلص من أخطبوط المحليات لصاغ قانون البناء للعقارت القديمة في سطر واحد كما يلي: إطلاق حرية الهدم والبناء للعقارات القديمة بشرط وحيد وهو كما كنت "أي حرية الهدم والبناء علي الا يزيد عدد الشاغلين بعد البناء علي عددهم قبل الهدم وينحصر دور المحليات فقط في التأكد من عدد الشاغلين. إن تطبيق هذا القانون بهذا المنطق البسيط له اثر جانبي اخر من حيث التخفيف من حدة مشكلة مساكن قانون الايجار القديم فمع اعترافي وتسليمي الكامل بمدي الظلم والغبن الواقعين علي مالكي العقارات القديمة فإن هذا القانون من شأنه أن يجعل المالك يشعر بأن المستأجر قد ظلمه في الوحدة التي يشغلها فقط وليس في أنه قد أضاع عليه فرصة اقامة مجمع أو برج. أتعجب من أن كل من يناقش مشاكل القاهرة لا يتطرق لهذا الموضوع لدرجة أنني فكرت في رفع قضية ضد الحكومة أو تكوين جمعية للدفاع عن حقوقنا المسلوبة حيث إن ما يحدث من أعمال هدم وبناء هو حرماني من أبسط حقوق المواطنة في الاستفادة من خدمات المرافق والشوارع وحتي النظافة "حيث إن التكدس وضيق الشوارع من أسباب الحالة المزرية للنظافة" وإني أدعو من كل قلبي أن تستمر في هذه الحملة النبيلة لانقاذ ما يمكن انقاذه.