العيب ليس في تراثنا. ولا في ثقافتنا. ولا في حضارتنا. إنما العيب كل العيب في المتاجرين بدين الله الذين قاموا بعمليات اجتزاء واقتطاع لما يخدم أغراضهم منه. وفي تكاسل بعضنا عن الغوص في أعماقه واستخراج كنوزه. وفي الذين يحاولون فرضه فرضاً عاماً مطلقاً بكل متغيراته مع عدم مراعاة اختلاف الظروف والأحوال. غير مفرقين بين الثابت المقدس الذي يجب الحفاظ عليه. ولا يخدم المساس به إلا دعاة الفكر المتطرف. وبين المتغير الذي ينبغي فيه مراعاة أحوال الزمان والمكان. ولا يدركون مقاصد النصوص ومراميها ويقفون جامدين عند ظواهرها. دعاني إلي كتابة ذلك ما طالعته من فكر الإمام الشافعي "رحمه الله" في مفهوم عهد الأمان ورؤيته الثاقبة السابقة لعصرها فيه. حيث لم يقف عند حق الأمان لمن دخل بلادنا دخولاً قانونياً فحسب. فقد أوجب إضافة إلي ذلك الوفاء بحق الأمان علي كل مسلم يقيم في بلاد غير المسلمين. فبمجرد الإذن له بالإقامة الدائمة أو المؤقتة في بلادهم أصبح في عنقه عهد وذمة لأهل البلد المقيم فيه. تجاه حفظ دمائهم وأعراضهم وأموالهم والوفاء بحق إقامته بين ظهرانيهم. وهو ما يحل كثيرا من إشكاليات الجاليات المسلمة في مختلف دول العالم. وييسر عملية دمجهم دمجا صحيحا في هذه المجتمعات. كما يسهم في استيعاب هذه المجتمعات لهم بارتياح وسعة أفق. كونهم عوامل بناء لا هدم. عكس ما تحمله الجماعات الضالة المنحرفة من عدم الوفاء للدول التي يقيمون بها فضلاً عن أوطانهم الأم. لانطماس بصائرهم وانحراف أفكارهم وخروجها عن جادة الصواب والفهم الصحيح لعظمة الأديان ورقيها وسماحتها وكونها رحمة للعالمين.