كل عام وأنتم جميعا بخير وفي طاعة الله وتقبل الله منا جميعا صالح الأعمال. منذ أيام قلائل ودعنا شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.. ودعنا شهر رمضان المبارك وفاز بعطائه وبركته من فاز وخسر من تقاعس وانشغل فيه بهموم الدنيا وشهواتها ولم ينتهز الفرصة ويتسابق في مضمار الخير مع عباد الله الصالحين المخلصين. بعد انتهاء رمضان يتطلع كثير من المسلمين إلي رحلة العمر. إلي الحج والعمرة والتشرف برؤية الكعبة المشرفة والطواف حولها. وزيارة مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم والصلاة فيه. وإلقاء السلام علي رسول الإنسانية وصحابته الكرام عليهم رضوان الله.. تلك الرحلة التي لا يمكن أن يملها المسلم. ويتطلع إلي تكرارها كلما أتيحت له الفرصة. لكن السؤال المهم الذي يفرض نفسه في مثل هذه الأيام كل عام. هل مطلوب من المسلم القادر ماديا وبدنيا أن يكرر الحج والعمرة. أم أن إنفاق تكاليف هذه الرحلة علي الفقراء والمحتاجين يجلب له ما هو أعظم وأفضل من ثواب الحج والعمرة. خاصة وأن هناك أسرا تعاني من الحاجة وتتعفف عن سؤال الناس؟ **** شرعا- وكما يؤكد علماء الإسلام- الحج مطلوب من المسلم المستطيع مرة واحدة في العمر. عملا بقول الحق سبحانه: "ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا". ولذلك فإن تكرار هذه الرحلة المباركة هو من باب التطوع مثل صلاة النافلة. والله سبحانه وتعالي يكافئ المسلم علي كل عمل يتقرب به إليه مادام صادقا في نيته. لكن هناك أولويات يأتي في مقدمتها الآن تلبية حاجات الفقراء وغيرهم من المحتاجين مثل الغارمين والغارمات. والمرضي الفقراء. وطلاب العلم الفقراء الذين لا يجدون ما ينفقونه علي استكمال تعليمهم. لذلك لا يتوقف كبار علماء الإسلام عن دعوة المسلمين القادرين ماديا الذين يحرصون علي السفر سنويا. أو علي فترات متقاربة لأداء مناسك الحج والعمرة بالتبرع بنفقات سفرهم للفقراء وأصحاب الحاجات. خاصة في ظل تزايد احتياجات غير القادرين في المجتمع. وقد اتفق العلماء علي أن التبرع لأعمال الخير ومساعدة الفقراء والمرضي غير القادرين أكثر أجرا وثوابا وقربي إلي الله من حج التطوع وتكرار العمرة. حيث سقطت فريضة الحج عن أصحابها بمجرد أدائها للمرة الأولي. لا شك أن الإسلام يقدر حرص المسلم علي أداء العبادات التطوعية. ويحمد له ذلك. ولا شك أيضا أن السفر لأداء مناسك الحج أو العمرة وإنفاق الأموال في عبادات وطاعات أفضل وأكرم عند الله من السفر لإهدار الأموال وإفساد الأخلاق في رحلات سياحية هنا أو هناك. إلا ان الحقيقة المؤكدة أن تلبية حاجات الفقراء تتقدم أداء العبادات التطوعية التي يثاب عليها الإنسان ولا يعاقب علي تركها. لذلك يناشد علماء الإسلام كل مسلم سبق له أداء فريضة الحج أو كرر السفر في هذه الرحلة المباركة من قبل أن يعيد حساباته. وأن يقدم الأموال التي ينفقها في رحلات الحج التطوعية إلي الفقراء والمرضي وأصحاب الحاجات. لأنه بذلك يسهم في حل مشكلتين كبيرتين هما: مساعدة الفقراء والمحتاجين. وهذا أمر مهم للغاية وواجب ديني واجتماعي. وتخفيف حدة الزحام في الحج وإعطاء الفرصة لمن لم يسبق لهم أداء الفريضة لكي يؤدوها في سهولة ويسر. **** يقول العالم الأزهري د.محمود حمدي زقزوق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ووزير الأوقاف الأسبق: لا شك أن مجتمعاتنا العربية في أمس الحاجة الآن إلي مضاعفة الجهود الخيرية والعطاء الإنساني لتقديم العون للفقراء والمحتاجين. خاصة في ظل وجود تقارير تؤكد زيادة مشكلة الفقر وزيادة أعداد الفقراء وضحايا الاضطرابات السياسية في أكثر من بلد عربي وإسلامي. وللأسف ضحايا الحروب والنزاعات من المسلمين الآن يتسولون طعامهم من هنا وهناك. وهذا أمر يسيء لكل مسلم قادر علي إغاثتهم ولا يفعل.. لذلك يجب العمل علي نشر ثقافة التكافل الاجتماعي والإنساني بين الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين. ويضيف: واجبنا أن نربي أبناءنا منذ الصغر علي القيام بواجب التكافل الاجتماعي. وعلي رعاية الفقراء والمحتاجين. وعلينا أيضا أن نعلم الناس أن ما ينفقونه علي الفقراء والمحتاجين ليس تفضلا. وإنما هي حقوق قررها الإسلام لتحقيق التكافل الاجتماعي ويجب الوفاء بها. والله سبحانه وتعالي هو الذي يقرر ذلك في قوله تعالي: "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم". ويأمر الله نبيه بأن يأخذ الصدقات من الأغنياء تطهيرا لنفوسهم من عامل الشح والبخل وتزكية لأموالهم فيقول: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها¢. **** الفقراء وأصحاب الحاجات في بلادنا في أمس الحاجة إلي من يخفف آلامهم ويساعدهم علي توفير مقومات الحياة الكريمة. إلي جانب مساعدتهم علي تزويج أبنائهم وتعليمهم وسد ديونهم. وغير ذلك من أوجه الخير الكثيرة والمتنوعة. والتي هي أكثر أجرا وثوابا من الإنفاق علي عبادة تطوعية مثل حج النافلة أو تكرار العمرة. وأخيرا.. نقدر العاطفة الدينية لهؤلاء الذين يكررون الحج والعمرة. ونحيي فيهم الحرص علي العبادات والطاعات. لكن- كما أكد علماء الفتوي- لا يجوز الحرص علي أداء عبادة تطوعية وإهمال فريضة مثل فريضة الزكاة. أو عمل خيري إنساني لا يقل أجره وثوابه عن تكرار الحج والعمرة مثل الصدقات التطوعية. ولذلك نحث المسلم دائما علي عمل الخير. لأن تخفيف آلام مريض فقير أو مساعدة أسرة فقيرة علي تزويج ابنتها أهم من السفر لأداء عبادة تطوعية.