لفت نظري في الأيام التي أعلنتها الحكومة الفرنسية عقب اجتماع خصص للسياحة رأسه ادوار فيليب رئيس الوزراء الفرنسي اعترافه بأن الأحداث التي شهدتها فرنسا مع احتجاجات "السترات الصفراء" قد أثرت تأثيرا سلبيا علي الحركة السياحية الوافدة إلي فرنسا.. رغم بلوغها رقما قياسيا في عام 2018 حيث اقترب عدد السياح إلي فرنسا بين التسعين مليون "89.4 مليون سائح".. ولكن فرنسا كانت تطمح إلي ما هو أكثر رغم أنها هي المقصد السياحي الأول في العالم.. وتخطط فرنسا لكي تصل في عام 2019 إلي مائة مليون سائح.. ولكن من يضمن ما سيحدث ان استمرت "حركة السترات الصفراء". فرنسا تعترف بالخسائر التي تسببت فيها الاحتجاجات.. والسياحة في مصر عانت منذ أحداث 2011.. وما تلاها من سنوات عجاف حتي قيام ثورة 30 يونيو.. ثم الإرهاب الذي تعرضنا له.. وكانت قمته حادث الطائرة الروسية.. الذي مازلنا حتي الآن ندفع ثمنه في سوقين من أهم الأسواق المصدرة إلينا.. أولها السوق الروسي بطبيعة الحال.. الذي لا يوجد سبب مفهوم لعدم عودته حتي الآن.. وثانيها السوق البريطاني المتعسف.. وأكاد أقول "المتآمر أيضا ضدنا". والرئيس عبدالفتاح السيسي في احدي كلماته تحدث عن الخسائر التي أصابت مصر منذ عام 2011.. وقال انه لم يتم تعويضها حتي الآن.. والرئيس علي حق فيما يختص بالسياحة فمصر لم تستطع حتي الآن الوصول إلي ما تحقق في عام 2010 حيث وصلت إلي نحو 15 مليون سائح.. ووصلنا إلي نحو 12.9 مليار دولار في الدخل السياحي.. وهي أرقام مازلنا بعيدين عنها. وقد حاولت منذ سنوات تقدير حجم الخسائر المباشرة التي أصابت السياحة منذ عام 2011 وحتي عام 2016 فقط في أعداد السياح وفي الدخل السياحي المباشر باحتساب الفرصة الضائعة. لو أن السياحة واصلت نموها بنفس النسبة المعتادة التي كانت السياحة المصرية تنفرد بها والتي كانت تدور في حدود العشرين في المائة بزيادة أو نقص بسيط سواء في أعداد السياح أو في الدخل السياحي. فتوصلت إلي أرقام فلكية قدرتها بنحو 60 مليار دولار في الدخل السياحي المباشر.. كما توصلت إلي أننا بنفس الدرجة كان يمكن أن تكون قد تجاوت فرنسا الثلاثين مليون سائح.. لو لم تحدث أحداث يناير 2011.. ولكن هذه الأحداث ثم الإرهاب.. بعدها تكالبت علي هذه الصناعة فوصلنا إلي هذه الخسائر.. ثم عاودنا الارتفاع بأعداد السياحة وبالدخل السياحي.. ولكن دون أن نصل إلي ما كنا عليه قبل عام 2011.. وبالتالي إلي ما كان مفروضا ان نصل إليه.. ولو لم نكن قد مررنا بهذه الظروف الصعبة.. وهذا كله كان دون التعويض إلي الخسائر التي عانتها السياحة في منشآتها.. أو في مستوي العمالة المدربة التي هجرت السياحة إلي مهن أخري.. أو هاجرت خارج الوطن إلي منشآت عربية أو أوروبية استفادت بهذه الخبرات المصرية التي تدربت واكتسبت خبراتها في مصر.. ومرة أخري هذا كله أيضا بخلاف ما ستحتاجه لتدريب قوي عاملة بديلة لمواجهة احتياجات السياحة مع انتعاشها نسبيا فضلا عن حساب الخسائر التي أصابت باقي الصناعات والخدمات المرتبطة بالسياحة "وهي تقدر بنحو سبعين صناعة وخدمة" وقد أضيرت بما أصاب السياحة وعانت بمعاناة السياحة.. وكل هذا أيضا دون حساب فرص العمل التي فقدناه والتي تولدها السياحة لو كنا واصلنا الارتفاع إلي ثلاثين مليون سائح في عام 2016.. وواصلنا الارتفاع بعد ذلك.. والتي تقدر بمائتي ألف فرصة عمل مع كل زيادة قدرها مليون سائح. وربما أحاول تحديث هذه المحاولة لتحديد خسائر السياحة.. والفرص الضائعة علي مصر.. والعودة إلي الكتابة عنها مرة أخري.. مع الدعوة إلي أن يتولي جهاز من أجهزة السياحة في مصر تكليف المجلس العالمي للسياحة والسفر "WTTC" بالقيام بهذه الدراسة وقد سبق أن كلفته مصر بعدة دراسات قام بها من قبل حول الدخل السياحي وفرص العمالة التي توفرها السياحة. ولابد ونحن نتحدث من منطلق ما أذاعته فرنسا عن خسائرها في السياحة نتيجة احتجاجات السترات الصفراء.. وننتقل منها إلي خسائر مصر بعد أحداث يناير 2011.. أن نشير إلي أن مصر منذ ابتليت بداء الإرهاب الذي استهدف السياحة في أوائل التسعينيات وهي تحقق النجاح في مواجة التأثيرات السلبية للإرهاب علي السياحة.. وقد كانت تجربة مصر موضع تقدير دولي في منظمة السياحة العالمية والتي اختارت د.ممدوح البلتاجي وزير السياحة الراحل رئيسا للجنة الأزمات تقديرا لنجاح مصر في مواجهة آثار الإرهاب علي السياحة.. كما أن الحملة الترويجية التي نفذتها مصر في عهد الدكتور ممدوح البلتاجي اختيرت كأفضل حملة ترويجية.. وكانت منظمة السياحة العالمية تعتبرها الحملة الترويجية النموذج الذي يجب أن يحتذي. وهذا يقودنا إلي الحديث عن حملة الترويج للسياحة العربية التي توقفت منذ عام 2016 ثم انتهي عقد الشركة المنفذة لها في سبتمبر العام الماضي.. وأسندت الحملة إلي مجموعة جديدة لتعلن منذ أيام عن انطلاق حملات الترويج التليفزيونية لمصر في الخارج بعد توقف سنوات.. من خلال اتفاق مع قناة "سي.ان.ان".. والحقيقة ان ما شهدته مصر من انتعاش سياحي في عامي 2018 و2019 يعود في معظمه إلي ما تحقق في مصر من استقرار سياسي وأمني.. وقد ثبت هذا بتصريحات انطلقت من سوقين رئيسيين مصدرين للسياحة إلي مصر.. واتفقت هذه التصريحات في تحديد الزيادة بنسبة 40% مرجعة هذه الزيادة إلي الاستقرار السياسي والأمني في مصر.. وكان التصريح الأول لوزير الاقتصاد الألماني في مطلع يناير الماضي.. أما التصريح الثاني فكان أيضا لمسئول ايطالي منذ أيام. ومعني هذا بكل وضوح ان ما تحقق من زيادة لم يكن راجعا إلي أي حملات ترويجية.. لأنها بكل وضوح أيضا لم تبدأ بعد.. وحتي تلك التي نفذت أخيرا في بعض الأسواق العربية تحت عنوان "رمضانك عندنا".. لم يكن توقيت اطلاقها مناسبا.. أو بمعني أدق تأخر اطلاقها كثير إلي أن بدأ الشهر الكريم.. ليكون تأثيرها بالتالي محدودا.. ان كان لها تأثير. أما حملات الترويج في الأسواق الرئيسية المصدرة للسياحة إلي مصر والتي يأتي معظمها من الدول الأوروبية فإنها لم تبدأ بعد.. ولا يغني عنها بطبيعة الحال ما سوف يكون عبر قناة "سي.إن.إن" لأن الترويج عن طريق التليفزيون في هذه البلدان الأوروبية كألمانيا وإيطاليا وفرنسا وغيرها لابد أن يتم من خلال قنواتها التليفزيونية. وقد بذلت الدولة في الفترة الماضية جهوداً كبيرة لتغيير الصورة الذهنية عن مصر بمختلف الوسائل وكان من أهمها المؤتمرات المهمة التي شهدتها مصر في شرم الشيخ وأسوان وغيرهما. وكذلك إلي جانب الزيارات المهمة التي قام بها الرئيس لبلدان عديدة ساعدت في إلقاء الضوء علي مصر مع مجموعة من الزيارات قام بها عدد كبير من المشاهير لمصر وانتشرت أخبار زياراتهم علي وسائل الاتصال فضلاً عن التوجه للاستعانة بمشاهير من المدونين الذين يقدمون من خلال زياراتهم وما ينشرونه علي مواقعهم من صور وتعليقات مصداقية كبيرة للمواقع السياحية التي يزورونها. ويتبقي هنا أن هناك توجهاً دولياً متزايداً وكبيراً للاستعانة بهؤلاء المدونين في الترويج للمقاصد السياحية وأحب أن أضيف هنا أننا في إطار الاتحاد الدولي للصحفيين والكتاب السياحيين "إيفجيت- fijet" الذي أتشرف بشغل منصب نائب الرئيس فيه بحثنا في إضافة قطاع للمدونين يمكنهم وفق شروط معينة أن يكونوا أعضاء في الاتحاد. وذلك إدراكاً لأهمية الدور الذي يقومون به. مما يتوافق كذلك مع الدور الذي يقوم به الكتاب السياحيون. ولا نود أن ننهي حديثنا في هذا الجانب دون أن نتطلع إلي الإسراع بتنفيذ حملات الترويج التقليدية عبر القنوات التليفزيونية المحلية في الدول المصدرة لنا وعلي رأسها ألمانيا وإيطاليا وبولندا وغيرها. إذ لا يمكن الاعتماد في هذا الأمر علي قناة "سي.إن.إن" وحدها.. وإن كان الارتباط بهذه القناة يوفر ميزة لنا في الحد من مواد سلبية كانت. أو يمكن أن تأخذ طريقها إلي شاشتها. جانب آخر. يرتبط بالسباحة الطاردة.. أي الخارجة من مصر.. والمؤثرة في الأوضاع الاقتصادية والمستهدفة رصيدنا من العملات الصعبة.. وعلي رأسها هنا رحلات العمرة.. التي وصلت منذ عامين إلي مليون وثلاثمائة ألف معتمر مصري. بما يضع مصر علي رأس المعتمرين من مختلف أنحاء العالم.. وكان طبيعيًا أن بلغت هذا الحجم قطر الدولة ممثلة في وزارة السياحة التي حاولت تقنين الأعداد.. ووصلت بها إلي نحو خمسمائة ألف معتمر علي مدي العام.. يخصص منها مائة ألف معتمر لشهر رمضان. ولكن يجد في الموقف جديد.. إذ أطلقت المملكة السعودية موقع تأشيراتها الإلكترونية للعمرة.. التي أتاحت لكل من يشاء استخراج تأشيرة العمرة.. دون اللجوء إلي القنوات الرسمية عبر شركات السياحة وفي إطار الحصة التي حددتها لوزارة السياحة.. وقدر البعض عدد التأشيرات التي صدرت بهذا الأسلوب إلي نحو ثمانية عشر ألف تأشيرة قامت بتنفيذها شركات سياحة. بعيدا عن المنظومة الرسمية للعمرة. ولما كان الموقف بهذا الأمر يهدد بالخروج عن السيطرة من حيث الأعداد التي تضر بالاقتصاد الوطني ضررا كبيرا فإن الجميع قد بدأ يتحرك لمحاصرة هذا الموقف.. خاصة في ضوء خطة السعودية للارتفاع وعدد المعتمرين إلي ثلاثين مليون معتمر.. في ظل تطور نظام التأشيرة الإلكترونية. الذي سيسمح أيضًا بحجز خدمات العمرة مع الحصول علي هذه التأشيرة.. وهو الأمر الذي يمكن فيما بعد أن يمتد كذلك إلي الحج.. والأفكار المتداولة في هذا الأمر كثيرة.. ولكن أهمها أن يتم ربط منظومة العمرة في مصر بمنظومة الحج. لتكون بوابة الحج الرسمية التي تتولي أمرها وزارة الداخلية المصرية. هي أيضا المسئولة عن بوابة العمرة.. بما يسمح بالسيطرة مرة أخري علي أعداد المعتمرين الذين تفند رحلاتهم شركات السياحة المصرية.. بعد أن تعود كل التأشيرات الإلكترونية لمن يحصل عليها لكي تخرج من بوابة الحج والعمرة من الداخلية.. وبهذا تتم المحافظة علي النظام الموضوع للعمرة الهادف إلي السماح سنويا بأعداد مناسبة مع المحافظة أيضا علي قيد تكرار العمرة في الحدود الزمنية المقررة.. وفي نفس الوقت الحفاظ علي الدور الذي تقوم به شركات السياحة التي توفر فرصا كبيرة لعمالة متخصصين وهذا النوع من السياحة.. كما أن من ناحية أخري يواجه الدور المحموم للسماسرة الذين كانوا قد نشطوا نشاطا كبيرا في ظل إطلاق التأشيرة الإلكترونية.