كان الدكتور طه حسين رحمه الله يحلم بأن تصبح الثقافة شجرة باسقة أصلها في أرض مصر وفروعها وأغصانها تظلل كل الأقطار العربية لتحمل إلي كل العرب ثمرات العقل والروح النضرة. كانت رؤية هذا المفكر العملاق للثقافة ووظيفتها في المجتمع رؤية ثاقبة بالغة العمق فهو مع حرية الأدباء وتحررهم وهو القائل: "دعوا أدباءنا يتصلوا بطبقات الشعب ويصوروا آلامها وحياتها وآمالها". ويبدو أن علماء الإعلام اقتبسوا عبارة هذا المفكر العالم وصاغوا لنا عبارة تقول إن الصحافة هي مرآة المجتمع بمعني أنها تعكس آلام الناس وهمومها وآمالها وطموحاتها. اعترف الدكتور طه حسين بأنه إذا تحرَّر الأدب وتحرَّرت الكتابة بوجه عام فإنه سيكون فيها الغث والسمين والجيد والرديء لكن الحياة وحدها هي التي ستبقي علي النافع الذي سيفيد "فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". مات الدكتور طه عام 1973 قبل أن يري التطور الهائل في وسائل الاتصال التي تنقل الثقافة إلي الناس. ولو قُدِّر للعميد أن يقوم من مرقده اليوم ورأي المجتمع بكثافته السكانية الراهنة وحالته التي عليها لكتب لنا أعمق الكتب في أهمية الثقافة ودورها ووظيفتها ولأضاء لنا الطريق. كان طه حسين يري أن الثقافة النافعة والأدب الجيد يطهر الفرد من آثامه أي يجعله مواطناً صالحاً خالياً من الفساد. لكن وظائف الثقافة في عالم اليوم تعددت وتشعبت كثيراً. وفي تقديري أن النهضة التي تنشدها القيادة السياسية لمصر اليوم لن تتحقق إلا إذا انتشرت بين المصريين ثقافة إيجابية تزرع في نفوسهم قيم التقدم والنهضة والمعروف أن نهضة دول جنوب شرق سيا قامت علي القيم حتي راجت في الكتابات الغربية عبارة "القيم الاسيوية أو "AsisnValues" والثقافة الإيجابية هي التي تنمي لدي الناس الاحساس بالهدف من وجود الإنسان في الحياة وأنه مستخلف من قبل الخالق ليعمر الأرض ويزينها ويجملها ويفكر فيها ويستخرج كنوزها وخيراتها ويكشف أسرارها والإنسان مطالب بأن يزرع ويعمر حتي آخر لحظة وما أجمل الحديث النوبي الذي يقول "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم الساعة حتي يغرسها فليغرسها". إن الثقافة الحقيقية هي التي عمَّقت لدي الإنسان الاحساس بقيمة العمل والأداء وبقيمة العدل فالله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة علي الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة. وكل المشكلات التي تعاني منها مصر اليوم مرتبطة بالثقافة فالاتقان ثقافة والزواج المبكر في بعض مناطق مصر وقراها ثقافة والانجاب والزيادة السكانية ثقافة والمثل السائد بين المصريين يقول "اللي مالوش ولد مالوش سند" والنظافة ثقافة وكذلك التسامح والعنف فمن أين يستقي المصريون ثقافتهم؟ إن المصري سواء كان مسلماً أو مسيحياً يستقي ثقافته بصورة رئيسية من الدين وثقافة المصريين دينية عبر التاريخ حتي منذ أيام الفراعنة وتجد أن الرسوم والكتابات والزخارف الموجودة علي معابد قدماء المصريين مملوءة بالكتابات الدينية لكن في هذا العصر تعددت مصادر الثقافة فهي تأتي من الصحافة المكتوبة والمرئية ومن الدراما التليفزيونية والأفلام السينمائية ومن السفر إلي الخارج ورؤية الحضارات الأخري وقبل هذا وذاك التعليم فتعالوا نطوره ونحسنه ونبث الوعي في كل القائمين علي وسائل نقل الثقافة للإنسان المصري.