جاءت قمة بيروت الاقتصادية هزيلة. تعكس سوء الأوضاع في العالم العربي.. لكن مجرد اللقاء يبعث في النفس الأمل ويجعلنا نبصر ضوءاً ولو خافتاً في نهاية نفق طويل مظلم. المأزق العربي الراهن يتطلب ارادة تقدم أولاً وارادة مقاومة ولو تدريجياً بعد ذلك ولن يتأتي ذلك إلا إذا تدارس العرب وتفكروا وتأملوا في الأحداث التي مرت بهم منذ استقلالهم وحتي هذا اليوم الذي يرفرف فيه الاستعمار مرة أخري في كافة جوانب العالم العربي.. كل الأمم الحية تتعلم من تجاربها وتاريخها. بل وتتعلم من الأحداث الكبري التي تقع من حولها.. سأضرب مثلين علي صحة هذا الكلام: عندما انهار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1990 وجد هذا الحدث الضخم صداه بقوة في الصين فأوعز الحزب الشيوعي الصيني الحاكم لكل مراكز البحوث والدراسات التابعة لها بالبحث في أسباب انهيار هذه الامبراطورية الضخمة التي كان يديرها حزب شيوعي مماثل خاصة وأن الصين امبراطورية كبيرة مساحتها نحو 10 ملايين كيلو متر مربع وتتألف من قوميات متعددة وأديان مختلفة وخلصت الدراسات إلي أن ميخائيل جورباتشوف لعب دوراً رئيسياً في تفكيك الامبراطورية السوفيتية. لكن الحزب الشيوعي الصيني الذي يضم العشرات من المفكرين والمنظرين والعلماء لم يقتنع بهذا السبب وحده رغم وجاهته وخلص من خلال بحث اعضائه إلي أن "الأداء الاقتصادي الضعيف" هو السبب الأول والرئيسي وراء انهيار الاتحاد السوفيتي ولذلك ركزوا علي هذا الجانب ما يساعدهم في ذلك حالة الانضباط التي يتمتع بها الصينيون وخلال سنوات قليلة أصبحت الصين من أفضل الدول من حيث الأداء الاقتصادي وعما قريب ربما في غضون عام سيصبح الاقتصاد الصيني رقم واحد في العالم. وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة. طرح الأمريكيون علي أنفسهم السؤال التالي: لماذا يكرهوننا؟ أي لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ ورغم عدم دقة السؤال وتشوهه وعدم موضوعيته إلا أن الحدث حرَّك العقل الأمريكي وطرحوا نظريات لا يتسع المجال لذكرها في هذه المساحة. ولم يكتف الأمريكان باستخلاص النتائج بل قاموا بالثأر والانتقام واحتلال دولتين عربيتين ثم التسلط علي المنطقة بأسرها بخلق جماعات إرهابية دمرت سوريا وهجَّرت شعبها انتقاماً من تأييدها للمقاومة العراقية بعد الاحتلال. وسأنحي هنا جانباً النظريات القائلة بأن أحداث 11 سبتمبر هي تدبير استخباري لتنفيذ خطط كانت مدبرة سلفاً لتدمير العالم العربي والشرق الأوسط بأسره واحتلاله. أياً كان الأمر فنحن العرب بحاجة ماسة لإعمال العقل فيما وصل إليه حالنا فبعض المحللين العرب خاصة من دول الخليج يعترفون جهاراً نهاراً وعلي شاشات التليفزيون أن المنطقة أصبحت منطقة نفوذ أمريكية والتطبيع مع إسرائيل يجري بوتيرة متسارعة دون أن يقدم الكيان الصهيوني أي تنازل للفلسطينيين وذلك بأمر من أمريكا والقدس ضاعت. وكل تجاربنا الوحدودية والتنموية فشلت والفكر القومي العربي يتفكك وثمة تساؤلات أخري.. وإلي متي سيظل العرب يخلطون السياسة بالدين وما مصير التيارات الإسلامية وما الأسلوب الأمثل للتعامل معها. ولماذا يكرر العرب اخطاءهم؟ أن العرب مطالبون بايجاد اجابات علي كل هذه التساؤلات ومطالبون بأن يقتنعوا بأن التكتلات السياسية والوحدة والتعاون فيما بينهم هو السبيل للبقاء والعكس صحيح مهما كانت قوتهم وموهبتهم وإذا لم يستخلص العرب الدروس والعبر من الأحداث التي مروا بها منذ نيل الاستقلال وحتي اليوم فإنهم سيظلون يدورون في مأزقهم التاريخي.