في مصر بلد التراحم والتعاطف. لا يبيت أحد جائعاً.. والآن نستطيع أن نقول أيضاً. ولا يبيت أحد عارياً.. ففي موجة البرد.. أو بمعني أدق موجات البرد القارص المتتابعة في هذا الشتاء.. تبدَّت المأساة التي عاشها بعض من أبناء الوطن. الذين ضاقت بهم سُبُل الحياة.. ولم يجدوا غير الشارع سكناً يؤويهم.. ولكنه لا يحميهم من برد الشتاء. ولا حر الصيف.. وهم بعشرات الألوف. بلا شك في مصر كلها.. ما بين أطفال. ونساء وشيوخ.. فرضت عليهم ظروفهم أن يقيموا في الفضاء الفسيح.. إما تحت كوبري.. أو في مدخل مسكن.. أو بجوار متجر أغلق أبوابه.. أو تحت أشجار حديقة.. ينتظرون العطف والرحمة من أشقائهم في الوطن.. وفي الإنسانية.. وهم في مصر بعشرات الآلاف.. ولا يمكن أن يرتقي الرقم إلي المليون. ولكن في بلد كأمريكا.. ذات المائتي مليون نسمة يصل عددهم إلي ستة ملايين نسمة.. وهو إحصاء رسمي قرأته منذ سنوات. ويسمونهم "هوم لس.. Home Less" أي الذين بلا مسكن أو مأوي.. وقد زُرت أمريكا شتاءً في أكثر من مدينة. وأكثر من ولاية.. وكانت مشاهد هؤلاء "الهوم لس" مؤلمة.. ونحن في أغني دول العالم.. وأقوي دولة في العالم.. يفترشون الأرض.. بينما الثلوج تتساقط عليهم.. وقد كنا نري هؤلاء الضحايا وهم يجهزون أسِّرَتهِم للنوم تحت مدخل محل تجاري كبير.. ينتظرون أن يغلق أبوابه. ليمدوا أسِّرَتهِم أمام مداخله.. وتحت مظلاته.. أما أسِّرَتهِم فلم تكن غير علب كبيرة من الكرتون. تم فتحها وتهيئتها لنومهم.. وليس هذا فقط. بل إن بعضهم يترقب مجيء الليل.. وقلة الحركة.. فينتظر إلي جوار أكشاك التليفونات.. والسعيد منهم من يحجز كشك تليفون ليغلقه عليه.. ويبيت القرفصاء تحت التليفون.. وداخل هذا القفص الزجاجي الذي تخترقه البرودة القارصة.. وإن كان فقط يصد عنهم الرياح الباردة. أو يحميهم من الثلوج المتساقطة. وليس هذا فقط رأيته في مدن عديدة من أمريكا وولاياتها.. بل رأيته في كل عواصم ومدن أوروبا التي زُرتها.. وهي تكاد تجمع كل دول أوروبا.. التي أتيح لي زيارتها.. لم يغب عني هذا المشهد المتكرر في كل هذه العواصم.. حيث الذين بلا مأوي يفترشون الأرض ويلتحفون بالسماء.. ولم تفكر جمعية خيرية.. أو جهة حكومية في أن تهب لنجدتهم وإنقاذهم من الموت برداً.. أضف إلي هذا كله مأساة اللاجئين.. وقد رأيت بنفسي في زيارة إلي بلجراد. العاصمة الصربية. جماعات كبيرة منهم لا مأوي لهم غير حدائق المدينة.. وكانوا للأسف إخوة من سوريا.. من ضحايا الحرب. التي شرَّدت اثني عشر مليوناً من السوريين في بلدهم وخارجها.. معظمهم أسعده الحظ فجاء إلي مصر. التي لا تعرف معسكرات اللاجئين. وإنما يعيشون كما يعيش إخوانهم المصريون.. بل ونجح غالبيتهم في اقتحام مجال العمل الحر.. فعملوا حرفيين ومهنيين.. ونالوا ثقة إخوانهم المصريين.. وقد فوجئت ذات يوم عندما جاءني مهندس صيانة المصعد. فإذا به مهندس سوري.. واكتشفت أكثر أن من بينهم من احتلوا رأس قوائم المهنيين بين الترزية والمنجدين. وصانعي الستائر. وأعمال الدهانات والديكور. وغيرها.. هذا طبعاً إلي جانب الذين افتتحوا متاجر ومطاعم. أصابت كثيراً من الشهرة. أما الذين اختاروا التوجه إلي بعض دول الجوار.. من اللاجئين السوريين.. وكذلك الذين تشردوا في بلادهم.. بعد أن زالت مساكنهم ومدنهم من الوجود.. فقد رأينا علي شاشة التليفزيون في نشرات الأخبار صور المعسكرات التي أقيمت لهم. وقد عامت خيامهم في الجليد المتساقط والأمطار التي غمرتها. والمياه المثلجة التي اقتحمت عليهم خيامهم وسط أقسي موجات البرد والصقيع.. ومع ذلك لم يجدوا من يرحمهم.. ويُخْلِيهم من هذه الخيام إلي مواقع أكثر حماية من ظروف الطبيعة القاسية. كالمدارس أو أفنيتها. أو صالاتها المغطاة.. تركوهم يتجمدون من البرد.. ليموت مَن يموت منهم من المعاناة من البرد.. وقد أحصوا عدد مَن مات من الأطفال الصغار في يوم واحد في معسكر واحد. ففاق عددهم الخمسين طفلاً.. يرحم الله الجميع.. ويفك كربهم.. وينهي غربتهم.. "آمين". أما هنا فمصر كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي. لا تعرف المعسكرات. لمن يفدها لاجئاً.. بل هم مواطنون يستدفئون بدفء العائلة المصرية الكبيرة. ويعيشون كأبنائها.. ويرحمهم الراحمون. وتستظل مظلة العائلة المصرية الكبيرة في مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي "حياة كريمة" من أضني عليهم الدهر من أبناء الوطن. فلم يجدوا مقراً غير الشارع. أو الحدائق.. أو مداخل المحال.. أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي هذه المبادرة الكريمة "حياة كريمة". ليكون المصريون علي قلب رجل واحد. كما ذكرت جريدتنا "الجمهورية" في مساندة هذه المبادرة الإنسانية الكريمة التي تعبر عن أصالة معدن الإنسان المصري.. الذي تعود علي التراحم.. والذي لا يرضي أن يبيت جاره علي الطوي.. وهكذا انطلقت فرق التدخل السريع لتنقذ مئات الحالات من الأطفال والمرضي والشيوخ رجالاً ونساءً. وتقدم لهم كل الرعاية والإنقاذ الكامل.. ولابد أن تلهج ألسنتنا جميعاً بالدعاء لرئيسنا الإنسان. الذي يقدم المبادرة تلو المبادرة. في رعاية أبناء وطنه.. وندعو الله سبحانه وتعالي أن يكلل جهوده المتواصلة في بناء هذا الوطن الكريم. العزيز علي أبنائه الأصلاء المحبين للوطن. والمضحين من أجله. بالنجاح. والانتصار علي أعداء الوطن. الذين يتربصون بالوطن وأبنائه.. وينتهزون كل الفرص لإيذاء الوطن وأبنائه.. ولكن سعيهم سيخيب.. وليس لهم إلا ما سعوا من أجله.. فالخراب والدمار لهم بإذن الله.. ولكل من ساندهم وآواهم. ومولهم.