عندما يقول المخرج إن أفضل أفلامه هى التى لم يقدمها حتى الآن فهو ليس كاذبا لأن هذه هى الحقيقة التى يعيش بها كل فنان حقيقى أنه يعيش على الأمل فى ان يقدم أعمالا أفضل من التى ابدعها وقد اختطف الموت المخرج "المختلف" أسامة فوزى وهو مازال قادرا على العمل والابداع.. الموت هنا يمثل لنا قمة الاحباط ويقضى على الأمل فى أن يقدم أسامة فوزى أفضل أفلامه التى لم يخرجها فقد أصبح من المستحيل أن يفعل ذلك. كان أسامة فوزى النموذج المتفرد للمخرج المثقف الذى عاش الاختلاف فى حياته الحقيقية قبل أن يكون مختلفا على الشاشة، تمرد على واقعه الشخصى والمجتمعى قبل أن يتمرد على الشكل السينمائى السائد فى سينما بلده وقد يندهش البعض ان كل ما قدمه أسامة فوزى هو أربعة أفلام فقط خلال 23 عاما، "عفاريت الأسفلت" و"جنة الشياطين" كتب لهما السيناريو الأديب مصطفى ذكرى و"بحب السينما" و"بالألوان الطبيعية" كتبهما السيناريست هانى فوزى وهى أفلام كان كل منهم يحدث أزمة عند عرضه خاصة فيلم "بحب السينما" درة أعمال أسامة فوزى والذى أثار ضجة بسبب الجرأة والبساطة فى تقديم أكثر الموضوعات حساسية على الشاشة. كذلك تميز أسامة باهتمامه الشديد بعنصر التمثيل وبحثه الدائم عن الوجوه الجديدة وتدريبها وتقديمها لأول مرة واتذكر عندما شاهدنا "جنة الشياطين" واختياره لثلاثة وجوه جديدة أيامها: عمرو واكد وسرى النجار وصلاح فهمى ويشاركون محمود حميدة البطولة بل ان أدوارهم هى الناطقة وكان حميدة صامتا طوال الفيلم لأنه قام بدور الميت "طبل" الذى تمرد على شخصيته الحقيقية "منير" البرجوازى النظيف وعاش عيشة الصعاليك القذرة مع حثالة المجتمع لكنها حياة حقيقية وليست زائفة! والسؤال الذى يطرحه رحيل أسامة فوزى: إلى متى تظل السينما المصرية عاجزة عن استيعاب المواهب المختلفة عن السائد مثل أسامة وغيره من المخرجين والمخرجات وهل هذا يحدث فى سينمات العالم من حولنا، ما معنى محاولة البعض "صب" السينما فى القالب الترفيهى السطحى، نعم السينما لابد أن تكون من أجل الجمهور ولكن هذا الجمهور شديد التنوع وليس صحيحا ان الجمهو له "قالب" محدد إلا فى أذهان المنتج الفاشل الذى يبحث عن الأفلام الفاشلة مثله، وعام 2018 أكبر دليل على كلامى حيث يوجد أكثر من عشرين فيلما من 36 لم يشاهدهم أحد ولم نسمع عنهم إلا فى قائمة أفلام العام قبل نهايته بأيام.. للأسف نشعر بالاحباط واليأس بعد رحيل مخرج مثل أسامة فوزى ولم يعد أمامنا سوى الأمل فى أجيال جديدة فى عالم الغيب.