إذا اتفقنا علي كل أو بعض الحقائق الساطعة التالية في المنطقة العربية. يُصبح تجديد الخطاب الديني أمراً ضرورياً ولازماً وواجباً. بل وعلينا أن نحدد دور الدين ووظيفته عندما نحسم أمرنا بأن التقدم ضرورة حتمية. وأن "أوروبا الجديدة" في طور التكوين في هذه المنطقة. مثلما صرَّح الأمير محمد بن سلمان. ولي العهد السعودي. خلال مؤتمر الاستثمار الأخير بالرياض. .. وهذه الحقائق هي: أن المنطقة العربية هي مهد كل الرسالات السماوية. فالألواح نزلت علي نبي اللَّه ورسوله موسي في طور سيناء. والمسيح عيسي بن مريم وُلد في الناصرة في فلسطين. ورسول اللَّه "محمداً" "صلي اللَّه عليه وسلم" نزل عليه الوحي في غار حراء بمكة المكرمة. هذا يقودنا إلي الحقيقة الثانية وهي: أن أماكن الحج تقع جميعها في المنطقة العربية. أما الحقيقة الثالثة التي قد لا تعجب الكثيرين أن اليهود أصبح لهم دولة قوية ومستقلة بالمنطقة. وهي دولة ناهضة ومتطورة ومنافسة وربما يراودها طموح بأن تصبح إمبراطورية. والأخطر من ذلك أنها دولة دينية لا تعترف ببقية الأديان. الحقيقة الأخيرة التي لا يركز عليها المسلمون كثيراً هي أن الإسلام أصبح جزءاً من الغرب. رغم أنف اليمينيين. ويمارسون شعائرهم ولهم مساجدهم ومراكزهم الدعوية.. وطبقاً للإحصاءات فإن عدد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي يزيد علي 50 مليون نسمة منهم 7 ملايين أو يزيد في فرنسا. وأكثر من 4 ملايين في ألمانيا. ومؤخراً عقد المسلمون الألمان مؤتمرهم السنوي الذي افتتحه وزير الداخلية الألماني. ودار النقاش فيه عن الاندماج وتكوين أئمة ألمان. بالإضافة إلي ذلك فإن الدين ضروري للإنسان المؤمن. حتي أن علماء الاجتماع قالوا: "إن الإنسان حيوان متدين!!". في ضوء هذه الحقائق وغيرها يصبح تغييب الدين أو تهميش دوره في مجتمعاتنا العربية مسألة مستحيلة عملياً. وكاتب هذه السطور إيمانه الإسلام بكل عقائده وجوانبه. وقد شاهدت علي مدي عمري الذي تجاوز الستين من الظواهر والرؤي ما يجعلني ثابتاً علي هذا الدين حتي نهاية حياتي. إذا كان الأمر كذلك. فما هي مشكلتنا مع الدين؟!! هي في الواقع مع المتشددين الذين لا يحسنون قراءة النصوص الدينية ومع الجماعات التي تتستر بالدين للوصول إلي السلطة وربما مع المتاجرين بالدين. أما المشكلة العجيبة التي يثيرها البعض. فهي مع التراث أو بالأحري بعض التراث والسُنَّة النبوية. وربما يكونون لديهم بعض الحق ولكن التراث يبقي تراثاً وتاريخاً له ما له وعليه ما عليه. ما يفيدنا أخدنا منه. وما لا يتفق مع عصرنا أهملناه. أما السُنَّة فالمسلمون يعترفون أن الأحاديث فيها الضعيف والموضوع. والمنحول.. ويكون ذلك من حيث السند والمتن أيضاً.. وذلك لأن الأحاديث جُمِعَت بعد وفاة الرسول بزمن. ويتفرد الفكر الإسلامي بما يسمي "علم الرجال" وهو تتبع سير الرواة للتحقق من صدقهم ونجابتهم. لكن ذلك لا يكفي لأن نعتمد أحاديث سقيمة المتن. وننسبها للرسول العظيم. أو أحاديث تتعارض مع القرآن الكريم.. ولا يكفي أن نقول إن الإمام البخاري كان يصلي ركعتين في الحرم قبل أن يكتب الحديث. يبقي بعد ذلك أن نحدد وظيفة الدين أو دوره في المجتمع وتجديد لغة الخطاب الديني وكيف يكون ذلك. ثم الجماعات الإسلامية. وكيف نشأت؟!.. وأسباب نشأتها؟!.. وهذا ما سأتناوله في المقال القادم.