ليس من المهم أن نصبح أثرياء أغنياء مرفهين ناعمي الأيدي نلبس الريش والحرير والديباج. كل واحد فينا يمتلك الملايين والمليارات ويحوز أفخم السيارات وأغلي العقارات والشاليهات. وليس من المهم أن نصبح مجتمعاً مخملياً أو مجتمع الزبدة السايحة تميل إلي الفرفشة والسهر حتي الصباح.. وليس من المهم أن نملأ كروشنا واكراشنا بما لذ وطاب من الطعام لنصبح مجتمعاً من البدناء المرهلين والمترهلين. مجتمعات كهذه تسقط عند أقل أزمة وتنهار مع أقل نائبة المجتمعات الناهضة القوية ليست كذلك إنما هي مجتمعات عاملة منظمة خشنة الأيدي منضبطة السلوك. تنام بعد العشاء وتستيقظ قبيل الفجر أو مع ابتلاج خيوط الصباح. سر التقدم في المجتمعات المتقدمة يكمن في أن كل فرد فيها يعمل ويكد ويجَّد ويجتهد شعارهم جميعاً الانتاج والجودة.. رأيت بأم عيني كيف يتحدي الصينيون العواصف والأمطار الغزيرة التي تهطل لساعات طويلة. كل واحد يخرج راكباً دراجته متدثراً بغطاء من البلاستيك ليحمي كل جسده من المطر وينطلقون في حارات مخصصة فقط للدراجات لا يصطدم أحدهم بالآخر لا يمزجون ولا يستخفون ببعضهم البعض فإذا ما وصلوا إلي أماكنهم انقَّضوا علي العمل كأسود فرسان لا وقت ولا معني للكلام وتوافه الأمور. اذكر أنني زرت ضمن وفد أجنبي مصنعاً للعب الأطفال كل العاملين فيه "نساء فوق سن الستين" ادهشني انهماك هؤلاء النساء في العمل لدرجة انهم لم ينظروا إلينا. كل شيء في الصين ينطق بالجمال والجودة والاتقان.. كانت الأمطار تهطل لساعات ثم تخرج فلا تجد نقطة ماء واحدة راكدة في الشارع. قوة المجتمعات تكمن في عامل غزير المعلومات في مجال عمله وتكمن في عدالة اجتماعية تعطي كل ذي حق حقه.. كان الصينيون يقولون لنا إن عالم الصواريخ ليس كعامل النظافة. قوة المجتمعات تكمن في تعليم قوي ونظام تعليمي متماسك يعمل بطريقة صحيحة.. وفي قوانين عادلة وفي قضاء مستقل شامخ وفي تنوع يعمل في اطار القانون "دعوا الزهور تتفتح" كما كان يقول زعيم الصين الراحل دنج شياوينج. سر التقدم يكمن في احترام العلم وتكريم العلماء ورعاية المتفوقين ووضعهم علي دفة القيادة قتل العلماء أياً كانت انتماءاتهم الفكرية والدينية جريمة في حق الوطن وحبسهم حرام.. العلماء الحقيقيون في الطب والهندسة والذرة والكيمياء والفيزياء هم مصابيح الشعوب وأنوارها بهم تتقدم الأمم وتتبوأ مكانها وتستمد مكانتهم. سر التقدم يكمن في بتر الفساد وقطع يد الفاسدين واللصوص وآكلي السحت وسارقي قوت الشعب والأخذ علي يد الجشعين لقد حارب الأنبياء جميعهم الظلم وشغف الناس بالمادة مما يقودهم إلي إهمال الناحية الروحية.