يبدو إننا علي موعد قريب مع مشهد عالمي جديد ومختلف فمن لا يستمع جيدا لصوت الارض لن يستطيع ان يفهم ويتنبأ بالقادم.. انه الحنين الدفين الذي بات موجودا بقوة لدي اغلب ابناء الشعوب في العالم نحو العودة للاصل والتمرد علي تلك العولمة المبالغ فيها والتي فرضت نفسها لسنوات طويلة خاصة في دول اوروبا وبين شعوبها المثقفة التي ادركت مؤخرا انه آن أوان العودة لفكرة الدولة القومية ذات الهوية والشخصية المميزة من جديد. لم تكن احداث فرنسا الاخيرة مجرد تظاهرات فئوية غاضبة لشريحة من ابناء المجتمع بقدر ما كانت اشارة فارقة يجب ان يتوقف عندها التاريخ السياسي المعاصر فحين تتغير قواعد اللعبة في تلك البلدان وينسي الناس هناك قيمة ومعني الديمقراطية الغربية التي تنادوا بها وقدسوها منذ عقود ويزداد الغضب ويتم التعبير عنه بكل اشكال الفوضي والعنف تعرف وقتها ان الامر مختلف وان القادم ايضا لابد مختلف.. انه التمرد علي الشكل العالمي السائد والذي فرضته الولاياتالمتحدة علي الجميع حتي علي دول اوروبا القوية نفسها كفرنسا والمانيا وانجلترا. شعور بالوهن والتجرد من القومية بدأ يدب في أوصال تلك الشعوب والهويات وهي تتراجع للخلف حتي في تركيبة السكان نفسها فلم يعد لتلك الشعوب هوية او شكل او حتي لون مميز فيكفي ان تشاهد منتخب فرنسا مثلا في كأس العالم الاخيرة وهو مصبوغ بالكامل باللون الافريقي الاسود ومكون من لاعبين اغلبهم من ابناء المهاجرين اليها من دول اخري والذين اصبحوا بحكم القانون مواطنين فرنسيين حائزين علي كل الحقوق الممنوحة لابناء فرنسا الاصليين.. انها الدولة القومية التي ضاعت ملامحها هناك بسبب الانفتاح الزائد علي الآخرين وقبول فكرة العولمة كدين سماوي جديد لا سبيل الي عصيانه او مخالفة تعاليمه!! حين تحدث الرئيس السيسي عن فكرة الدولة القومية امام الجمعية العامة للامم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي كان يعني جيدا ما يقول فها هي توترات فرنسا والتي سيعقبها توترات في بلدان اوروبية اخري تؤكد ان العالم لابد ان يعود سريعا الي فكرة الدولة الوطنية صاحبة الهوية والحدود الثابتة وكسر تابوت العولمة المقدس بعض الشئ والانغلاق الجزئي علي النفس من اجل اعادة التماسك وضبط البيت من الداخل اولا وصولا الي مجتمعات متميزة ذات اشكال فكرية وانماط حياتية مختلفة كل وفقا لما يصلح له!! يحدث هذا في بلدان العالم كلها اليوم ويحدث ايضا في مصر فبدون ملامح محددة لكل شعب وكل دولة وطنية مستقلة لن تستقيم الامور فالعولمة المطلقة اصبحت شراً مطلقاً يجب الحذر من خطورته قبل ان تضيع هوية الشعوب وتنسي ترابطها وتاريخها وتتفرغ فقط للسير في ركاب القطب العالمي الواحد الذي يسعي لتغييب جميع الهويات ليبقي هو وحده علي الساحة دون منافس قومي آخر بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتراجع دور الاتحاد الاوروبي وانشغال اغلب بلدان العالم في الشرق في تقليد النمط الامريكي في الحياة والفكر والممارسة دون الاخذ في الاعتبار لما يصلح لكل دولة علي حدة وفقا لهويتها وتركيبتها السكانية وتقاليدها الثابتة. ستعود مصر القوية العالم يترقب القادم مصر ذات الهوية الفكرية والتركيبة البشرية المميزة والتي سبقت الجميع منذ الاف السنين في التعبير عن نفسها بشكل عظيم انار ظلمات الكون ووضع للبشرية اسسا للحياة علي هذه الارض.. حفظ الله لنا مصر وطنا مميزا ذا هوية قومية مستقلة.