علي مدار الأسبوعين الماضيين أجري فيليب ألستون الذي يشغل منصب المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان في الأممالمتحدة تحقيقًا حول الفقر في المملكة المتحدة للعام الحالي. لحظة " نحن لا نتحدث عن دولة نامية أو إحدي دول العالم الثالث " إنها المملكة المتحدة خامس أقوي اقتصاد علي وجه الأرض والامبراطورية التي لم تغرب عنها الشمس لمئات الأعوام وبلد "الخواجات"! هذا صحيح " فرغم ارتفاع مستويات التوظيف والنمو الاقتصادي وزيادة عدد الأثرياء. فإن 20% من البريطانيين يعيشون في فقر! يوجد في المملكة المتحدة الآن 3.1 مليون طفل يعيشون في أسر فقيرة أي بزيادة مليون طفل منذ 2010 رغم نمو الاقتصاد بأكثر من 220 مليار دولار في المدة ذاتها. وفقًا لبيانات نشرتها منظمة "مؤتمر الاتحاد التجاري" البريطانية في مايو الماضي. زار ألستون تسع قري بريطانية في نحو أسبوعين محققًا في كل شيء من فقر الأطفال في مدينة "جلاسجو" وبنوك الطعام في مدينة "نيوكاسل". قدم ألستون النتائج الأولية للتحقيق في مؤتمر صحفي في لندن في 9 نوفمبر وألقي فيه باللائمة علي خطة خفض وإصلاح مدفوعات فوائد الدولة وإغلاق المنشآت العامة ما أدي إلي دخول 14 مليون شخص في طبقة الفقر. أي خمس سكان المملكة المتحدة. من بينهم 4 ملايين تحت خط الفقر ومليون ونصف معدم غير قادرين علي الحصول علي الضروريات الأساسية. يتوقع ألستون أيضًا أن تزيد نسبة الفقر بين الأطفال في المدة ما بين عامي 2015 و2022 بنسبة 7%. وارتفاع نسبة المشردين بنسبة 60% منذ عام 2010 وخفض الإنفاق الحكومي للحكومات المحلية بنسبة 49% مع حساب نسبة التضخم منذ عام 2010. يقول ألستون: "في أثناء زيارتي تحدثت مع أناس يقتاتون وجباتهم اليومية من بنوك الطعام وأموال الصدقات وينامون في منازل أصدقائهم أو يعملون في الدعارة للحصول علي المأوي أو المال تاركين مستقبلهم الغامض في أيدي الفقر". تقسم الأممالمتحدة الفقر إلي فئتين رئيسيتين: الفقر المدقع وهو العيش علي أقل من دولار في اليوم وفقر الدخل. ويمكن تشبيهه بمحدودي الدخل في مصر. أو الدخل الأقل من خط الفقر الذي تحدده الحكومة. وهو يختلف من دولة لأخري. لكن المملكة المتحدة لم تحدد أي خط للفقر ما أدي إلي إنشاء مفوضية المقاييس الاجتماعية المستقلة لتحديد مقياس جديد للفقر في المملكة المتحدة. ويستخدم ألستون معيار "الفقر النسبي" ويفحص نسبة الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 55% من متوسط الدخل مع الأخذ في الحسبان بعض المصروفات مثل رعاية الأطفال والإسكان والديون والإعاقة. بنوك الطعام يُقاس ثراء الأمم أو فقرها بطرق عديدة. لكن المؤشر الأكثر وضوحًا في زيادة الفقر في المملكة المتحدة في السنوات العشر الأخيرة كان عدد بنوك الطعام التي ظهرت في قاعات دور العبادة والمراكز المجتمعية في مختلف أنحاء المملكة. بنوك الطعام مؤسسات خيرية تُحصِّل تبرعات العامة العينية والنقدية وتصنفها وتوزعها علي المحتاجين الذين يحيلهم مسئولون إليها كالأطباء والاخصائيين الاجتماعيين. قابل ألستون "سامانثا ستابلي" مديرة العمليات في أكبر منظمة بنوك طعام في المملكة المتحدة. "تراسل تراست". التي قالت إن أكثر من مليون و300 ألف شخص أحيلوا إلي بنوك الطعام الخاصة بها في العام الماضي. بارتفاع بنسبة قرابة 50% عن الخمسة أعوام السابقة. وأضافت سامانثا أن كل أسبوع ترحب بنوك الطعام بأناس محالين للحصول علي دعم الطوارئ وهم من أصحاب الدخول القليلة أو المنعدمة. وأوضحت سامانثا أن كثيرين في المملكة المتحدة لا يملكون سوي المياه كقوت يومهم. ما يضطرهم إلي اللجوء إلي بنوك الطعام. وهو أمر غير مقبول تمامًا. وتوضح بيانات مؤسسة "تراسل تراست" أن قرابة ثلاثة أرباع الأشخاص المحالين إلي بنوك الطعام الخاصة بهم يأتون نتيجة لخفض مدفوعات الفوائد أو تأخرها. تتهم المؤسسة منظومة الفوائد البريطاني الجديدة "الائتمان العام" بإحداث ذلك الضرر. ويوضح المتحدث باسم المؤسسة أن الطلب علي بنوك الطعام زاد في المناطق التي يسري فيها نظام "الائتمان العام" بنسبة 52% في الاثني عشر شهرًا الماضية منذ العمل بالمنظومة الجديدة. وتستبدل المنظومة الجديدة بمبلغ شهري موحد بستة فوائد ما أدي إلي تعثر سداد تلك المدفوعات وتأخرها. وهو ما اعترفت به الحكومة البريطانية ودفعها الشهر الماضي إلي اتخاذ مجموعة تدابير لتسهيل الانتقال إلي المنظومة الجديدة.