خمسة وأربعون عاماً مضت علي نصر أكتوبر المجيد ومازال هذا الحدث حياً في ذاكرة المصريين ووجدانهم كانت حرب أكتوبر معركة عادلة خاضها المصريون من أجل استرداد كرامتهم وأرضهم وقد تجلت في هذا النصر روح الأمة وقدرتها علي الجهاد من أجل الحق والعدل وعندما أخذنا بالأسباب تحقق لنا النصر والحقيقة الماثلة اليوم أن التحديات التي تواجه أمتنا العربية مازالت قائمة وأن الحرب حقيقة من حقائق الحياة war is afact of lifeوالحرب كانت ومازالت مشكلة من مشاكل الجنس البشري وقد لازمته منذ خليقته وأطواره الأولي وعلي الرغم من رقي الإنسان في سلم التقدم والحضارة فإن الأسباب الكامنة وراء إشعال نيران الحروب مازالت كما كانت ألا وهي رغبة أحد الأطراف في السيطرة علي ما في أيد الآخرين سواء أكان هذا يتمثل في ثروات زراعية أو معدنية أو كانت مجرد سلب حرية الطرف الآخر واستعباده والحرية أغلي شيء يمكن ان يفتقده الانسان. اعوب إلي حرب أكتوبر وكيف تجلت فيها روح الانسان المصري الأصيل "ابن البلد" الذي يستيقظ مع بزوغ خيوط الصباح ليذهب إلي مزرعته أو حقله أو مصنعه أو معمله أو ورشته.. وأنا شاهد علي ذلك. عندما اندلعت حرب أكتوبر كنت في السنة الثالثة من المرحلة الإعدادية يوم الحرب اجتمع بنا ناظر المدرسة المهندس عبدربه شحاتة حسن وكان رجلاً مستنيراً ليخبرنا بأن المدرسة في إجازة حتي اشعار آخر.. لم يكتف بإعلان الخبر انما قال نحن المصريين اليوم أمام معركة شرف تقتضي منا التلاحم والحب والتعاون لذلك من كان عنده فضل زاد فليعد به علي من لا زاد له من جاء إلي المدرسة علي عجلة أو "ركوبة" كالحمار مثلا فليحمل معه زميله الذي جاء ماشيا علي قدميه وطلب منا أن نتصافح ونصلي وندعو لقواتنا المسلحة بالنصر. عدنا إلي قرانا حاملين هذه الروح وكانت هناك مدرسة اعدادية لكل عدد من القري وكان البعض منا يأتي علي "بسكلتة" والبعض الآخر يأتي ممتطيا ظهور الحمير "والخيل والبغال والحمير لتركبوها".. كان المذياع هو الوسيلة الوحيدة لمتابعة اخبار العبور وسير المعارك كنا نتجمع حول الراديو ونقفز فرحاً مع كل خبر أو بيان يعلن تقدم جنودنا البواسل.. فقدت بيوت كثيرة أبناؤها في هذه الحرب ومنهم أفراد من عائلتي.. كان نداؤنا لسكان القرية اعملوا وانتجوا وقدموا أبناءكم فداءً لهذا الوطن وسنحارب عدونا الغاصب بصدور عارية.. سرت هذه الروح إلي حين.. لكن مصر اليوم تغيرت وسرت فيها روح الفردية والانانية والطمع وحب الذات لكنني علي يقين ان روح أكتوبر مازالت باقية.