أحياناً يبدو العالم وكأنه علي حافة الهاوية. نحن الآن نعيش هذه اللحظة بسبب الحرب الاقتصادية الواسعة التي تشنها الولاياتالمتحدة علي منافسيها وأعدائها وحلفائها.. أمريكا أعلنت الحرب التجارية علي الصين وتفرض عقوبات علي روسياوإيرانوتركيا بذرائع مختلفة وواهية.. غير أن العقوبات الأقسي والأخطر والتي تهدد باندلاع حرب هي تلك التي تفرضها علي إيران. ولا تخفي أمريكا أنها تريد تركيع وإخضاع نظام الملالي وقد أفصح رودي جولياني أحد مستشاري ترامب عن ذلك حينما قال أمام مؤتمر للمعارضة الإيرانية في نيويورك قبل أسبوعين تقريباً إننا سنحتفل معاً العام المقبل في طهران!! وقد بدأت المرحلة الأولي من العقوبات الأمريكية علي إيران اعتباراً من 7 أغسطس الحالي وتشمل وقف التعاملات المالية مع طهران وحظر استيراد المواد الأولية وعقوبات علي قطاع السيارات والطيران التجاري. وأمام إيران فترة تمتد لنحو ثلاثة شهور لإنهاء أزمتها مع واشنطن قبل تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات في نوفمبر المقبل أي مع بواكير فصل الشتاء وتشمل وقف جميع الصادرات الإيرانية من النفط والغاز فهل تنحني إيران أمام العاصفة وتدخل في مفاوضات سرية وعلنية مع واشنطن أم تصمد وتمضي في تحديها؟ وفي المقابل هل سترضي إدارة ترامب بفشل العقوبات علي إيران؟ تقول طهران إن العقوبات مآلها الفشل لأن أمريكا لن تستطيع "تصغير" صادراتها النفطية لأن الصينوالهند وهما أكبر دولتين مستوردتين للنفط والغاز الإيراني أعلنتا رفضهما للعقوبات الأمريكية بالإضافة إلي تركياوروسيا ودول الاتحاد الأوروبي وتستورد الصين وحدها 35 في المائة من صادرات إيران النفطية وتأتي الهند في المرتبة الثانية وكوريا الجنوبية في المرتبة الثالثة.. وتشكل الصادرات الإيرانية من النفط والغاز ما بين 40 إلي 50 في المائة من إيراداتها من العملة الصعبة. وأخشي ما أخشاه أن تنكص هذه الدول عن وعودها وتتخلي عن إيران ساعة الجد مثلما حدث مع "الحسين بن علي" رضي الله عنه عندما تظاهر أهل العراق بتأييده واستدعوه للقدوم وهو في طريقه من المدينة إلي العراق قابل أحد الأصحاب فسأله عن حال أهل العراق قال له: "يا ابن بنت رسول الله قلوبهم معك وسيوفهم عليك" والإيرانيون يعرفون هذه القصة أفضل مني ولا أعتقد أن الأوروبيين سيتخلون عن أمريكا إذا قررت الدخول في مواجهة عسكرية حقيقية مع إيران ويمكن لروسياوالصين وحتي تركيا بيع إيران في أي لحظة من أجل مصالحهم. وقد هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز إذا تم إيقاف صادراتها النفطية وهنا يكمن الحظر لأن إجراء كهذا يعني اندلاع حرب. والتحليل السياسي لا يمكنه التنبؤ بنوايا أطراف الصراع إنما يتعامل مع الحقائق والمعطيات وهي تقول إن إيرانوأمريكا ينتميان إلي مدرسة دبلوماسية تعرف باسم النفس الطويل والنظام الإيراني براجماتي ولديه خبرة طويلة وعميقة تمتد لثلاثين عاماً في التعامل مع الحصار والعقوبات وأمريكا لن تدخل الحرب بسهولة مع إيران لأن إيران قوة عسكرية لا يستهان بها ولديها أذرع عسكرية في لبنانوالعراق واليمن وهناك 50 ألف جندي أمريكي في سورياوالعراق وأفغانستان بالإضافة إلي قواعد بالخليج ولذلك فمن المحتمل أن يدخل الطرفان في محادثات سرية وأن بقي الصراع مفتوحاً علي كل الاحتمالات.