إذا كانت العنوان الرئيسي للفترة الثانية من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي هي بناء الانسان المصري فإن البناء يجب ان يأتي متزامنا ومتكاملاً في نفس الوقت.. بمعني ان الحديث عن تطوير التعليم يجب ألا ينفصل عن الارتقاء بالثقافة وتطوير منظومة الصحة والعلاج ويجب ألا ننشغل في تطبيق نظام التعليم الجديد ثم نهمل الثقافة والصحة حتي تتدهور أحوالهما أكثر مما هما عليه الآن. الثقافة تختلف عن التعليم وفي رأيي انها مفهوم أشمل وأوسع من مجرد دروس ومناهج واختبارات يجتازها التلاميذ والطلاب في نهاية العام وهي أيضاً ليست كتبا يقرأها البعض ومكتبات تزين البيوت وكوفية وطاقية ونظارة طبية بعدسة مستديرة تميز المثقف عن غيره لكن الثقافة هي دليل علي مدي وعي الشعوب وأسلوب حياة تدخل تفاصيلها في كل تصرفات الفرد. فتصرفات الناس في الشارع وفي المواصلات العامة وفي علاقاتهم وتعاملاتهم مع بعضهم البعض هي ثقافة واحترام المواطن للقانون وللنظام العام وثقافة وحرص العامل علي اتقان عمله ثقافة وأسلوب معاملة الموظفين للمواطنين في المصالح والهيئات الحكومية وثقافة ومعاملة الرجل للمرأة وأسلوب تربيته لأبنائه. ثقافة إذا فالثقافة أسلوب حياة وليست كلمات نقرأها في الكتب ثم ننساها أو تمحوها الذاكرة ولذلك فان تشكيل ثقافة المواطن هو عملية أكبر بكثير من مجرد نظام تعليمي يتم تطويره أو تحديثه. وللأسف الشديد فإن عددا كبيرا من وزراء الثقافة عندنا قد اعتبروا ان مهمة الوزير مقصورة علي التعامل مع فئة معينة يطلق عليها "المثقفون" ولم نكن نسمع شيئاً عن الوزير إلا عند افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ونراهم اثناء التقاط الصور مع نجوم ونجمات هوليود المشاركين فيه أو المشاركة في افتتاح معرض الكتاب وقص شريطه بجانب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء في الوقت الذي كان يعشش فيه العنكبوب وتجري والفئران داخل قصور الثقافة في المحافظات والاحياء المختلفة وفي الوقت الذي كانت السينمات تعرض أفلاما تشجع علي انتشار البلطجة والمخدرات وتجعل من المدمن والبلطجي "أسطورة" وقدوة وبطلا شعبياً يصفق له الجمهور المغيب في نهاية الفيلم وفي الوقت الذي كانت المسلسلات تعرض في البيوت نماذج لأبطال يعتبرون الرشوة اكرامية والسرقة حقا والفهلوة ذكاء وبطولة. ان بناء الانسان وتشكيل وعي المواطن والارتقاء بثقافة كلها أمور تتطلب رؤية أشمل بكثير من مجرد مهرجان يقام هنا أو معرض يفتتح هناك بل هو مهمة ثقيلة وعملية شاقة وطويلة تتطلب جهداً خارقاً مستمراً تشارك في كل الجهات والوزارات وعلي رأسها الثقافة والتعليم والاعلام والأزهر والكنيسة وكتاب الرأي وصانعو السينما إذا نحن في حاجة إلي رؤية شاملة محددة المعالم والمهام والأهداف يشارك المجتمع كله في تنفيذها دون تضارب ووفقا لسيمفونية يقودها مايسترو يحدد لكل جهة دورها ويمنع أي نشاذ فيها.