لقد كتبت بالأهرام عام 2005 عن برنامج من أكثر من عشر نقاط بمناسبة إعادة انتخاب الرئيس الأسبق حسني مبارك وبعد الانتخابات كتبت أطالبه بالبرنامج الذي اقترحته ولم يتحقق معظم تلك الأهداف التي تمنيتها وقطاعات عديدة من المجتمع وبخاصة المثقفين وهو ما أشعرني بالإحباط واليوم أنا أكثر تفاؤلاً بمستقبل مصر وهذه هي الأسباب: الأول: إن عبد الفتاح السيسي أنقذ مصر من مؤامرة داخلية وإقليمية ودولية. ولهذا حاربته الجماعة المتأسلمة كما فرضت عدة دول إقليمية ودولية مقاطعة وحرباً إقليمية غير معلنة وفي مقدمة تلك الدول تركياوقطروإيران. أما القوي الكبري ففي مقدمتها الولاياتالمتحدة وعدد من الدول الأوروبية. ومع مضي الوقت أدركت تلك الدول خطأ موقفها فتراجعت تدريجياً ولكن للأسف القوي الإقليمية وبخاصة قطروتركيا ما تزال ترفض إعادة النظر في موقفها وأخطائها لطموحات خاصة بها في المنطقة وفي مصرالفاطمية والعثمانية بوجه خاص متناسين ان العالم تغير تغيرا كاملا ومصر بوجه خاص لن تقبل خداعا باسم الدين أو باسم فكر معين غير صحيح وإن قبلت ذلك فانه كان احتلالا وغزوا استعماريا أياً كانت الأسانيد التي روجت لتلك الدول الأخري ومن ثم فان طموحاتهم غير واقعية ومرفوضة مصريا ودوليا وإقليمياً فمصر دولة عربية وعليها مسؤلية ترتبط بالأمن القومي العربي ولن تلدغ من جحر مرتين باسم الدين بل هي تؤمن بإله واحد يعبده المسلم والمسيحي واليهودي وغيره بما في ذلك الأديان والعقائد غير السماوية فالله رب العالمين ولم يقل إنه رب أصحاب دين أو عقيدة واحدة. ومصر شعب متسامح منذ القدم وفي حالات الضعف الحضاري سيطرت عليها قوي باغية كما هو شأن مناطق أخري في التاريخ ولكن سرعان ما كان ينقشع الظلم ويتدهور الاستعمار وينجلي الليل كما ذكر الشاعر العربي التونسي أبو القاسم الشابي: وآن لليل ان ينجلي وللقيد ان ينكسر وهو ما حدث مع ثورة أحمد عرابي وسعد زعلول وجمال عبد الناصر وعبد الفتاح السيسي. الثاني: إنقاذ الجيش المصري والبوليس المصري من مؤامرة كبري بتحويل مصر إلي إيران أخري وإيران تعيش في وهم كبير منذ ان سيطر الصفويون عليها عام 1501 ثم إزدادت خضوعا لحكم ولاية الفقيه باسم الدين وإزداد الوهم طغيانا في سعيه للسيطرة علي مصر باسم إعادة الدولة الفاطمية وتسعي لتحويل الجيش المصري إلي حرس ثوري والشرطة إلي باسيبج إيراني والسيطرة علي مسجد الحسين والسيدة زينب وغيرهما من آل بيت الكرام. بإدعاء حماية أضرحة من اعتبروهم من الشيعة وهم ليسوا كذلك فآل البيت النبوي لم يكونوا شيعة ولا سنة وإنما هم من سلالة النبي عليه الصلاة والسلام وهل كان النبي شيعة أو سنة وهل كان أحفاده كذلك هذه أسماء سميت وانتشرت في عصور ابتعد المسلمون عن الفكر الديني الصحيح وظهرت المذهب وما أطلق عليه المفكرون المسلمون في العصور اللاحقة باسم الملل والنحل والإسلام دعا لوحدة المسلمين ورفض ان يتفرقوا باسم الدين وهو براء من جميع تلك المذاهب إلا مذهب واحد هو ما فعله النبي الكريم وأصحابه الأربعة الخلفاء الراشدين. أما من تمسح في هذا المذهب أو ذلك فهذا شأنه وحسابه عند الله. ومصر تخلت عن حكم الفاطميين لأخطائهم القاتلة ولم يتحول شعبها للمذهب الفاطمي وإنما حافظ علي فكره الديني العقلاني وعلي الأزهر الشريف الذي أنشأه الفاطميون وتخلي عن مكرهم لمصلحة الاعتدال والحكمة الإسلاميةالمستمدة من القرآن الكريم الذي دعا المسلمين لعدم الفرقة باسم الدين كما تفرق من قبلهم من أصحاب الأديان الأخري. والجيش المصري هو أكبر دعامة لاستقرار مصر ووحدتها وأمنها والبوليس شريك له في هذا الموقف. والتاريخ يشهد علي الدور الوطني للجيش المصري وقادته من أحمد عرابي فجمال عبد الناصر فعبد الفتاح السيسي وما بينهم من سياسيين عسكريين أو مدنيين حكموا مصر أو من كانوا قبلهم بما في ذلك حكم المماليك وغيرهم فالجيش يحرص علي حماية الوطن وهي المهمة الأولي ويرفض استغلال الشعب باسم الدين أو نتيجة الاستبداد السياسي فيتدخل وتدخل عرابي وعبد الناصر والسيسي من الشواهد علي ذلك بل تدخل الجيش المصري الأصيل في عهد أحمس لتحرير مصر من الهكسوس. الثالث: المشروعات الوطنية القومية الكبري وهي كثيرة ومنها قناة السويس الجديدة. والعاصمة الإدارية ومشروع زراعة 1,5 مليون فدان ومشروعات المحافظات المختلفة بالتوسع وإنشاء ظهير لكل محافظة في الصحراء لتوسيع رقعة العمران والإنتاج والصناعة في كل ظهير لكل محافظة بدلا من تكدس الشعب المصري بالملايين في شريط ضيق حول نهر النيل. وكما ذكرت جري ويجري التوسع في الصحراء ومشروع إصلاح التعليم والتأمين الصحي الشامل. لاشك ان كل هذه المشروعات العملاقة وغيرها أدت إلي رفع الأسعار بصورة كبيرة وهذا أضر بالطبقة الصغيرة والطبقة الوسطي خاصة موظفي الدولة وهم عماد العمل والإنتاج والإدارة الرشيدة. الرابع: مقاومة الإرهاب بلا هوادة وإذا كانت النتائج لم تتحقق بصورة كافية وبالسرعة اللازمة فالتقييم الصحيح هو أن الارهاب ظاهرة دولية ومدعوم بقوة من دول إقليمية وقوي دولية وهي معروفة ولذلك لست بحاجة لذكرها وهي تعلن عن نفسها. بطموحاتها ومشاريعها الماضية فهي تفتقد التفكير السليم إذ أنها تعيش في الماضي بدلا من أن تنظر للمستقبل أو حتي الحاضر ولا تفهم في لغة السياسة الدولية سوي مفاهيم التوسع والعدوان والتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخري. الخامس: الاهتمام بدعم الجيش والشرطة فهما ركيزتا حماية الوطن واتخاذ القرار المناسب بتغيير القيادات الأمنية والعسكرية إذا لزم الأمر كما يحدث في الدول المتقدمة سواء بتغيير دوري وتوليه قيادات جديدة إعمالا لمبدأ تناوب الأجيال أو إذا لزم التطوير والتغيير لنقص في بعض الكفاءة والأداء وهو عادة محدود فالشعب المصري ولاد وصاحب كفاءات متنوعة وعديدة وهو الذي بني الأهرام وطرد الهكسوس وطرد الاستعمار الإنجليزي وحرص علي التعاون مع أشقائه العرب والأفارقة لتحرير بلادهم من الاستعمار الباغي المستبد الذي نهب ثروات افريقيا وآسيا والدول العربية بل واللاتينية ومن هنا كان إعجاب القارات المختلفة بشعوبها التي عانت من الاستعمار بثورة مصر 1952 بقيادة عبد الناصر وزملائه من أبناء القوات المسلحة المصرية دما ولحما وفكرا وشجاعة مثل آبائهم الذين وصفهم النبي الكريم بأنهم خير أجناد الأرض. السادس: الاهتمام بالأقباط المصريين وهم من سلالة الفراعنة العظام والمسلمين بعضهم من تلك السلالة الطيبة أو من العرب الأصلاء الذين ينتمون لمصر أيضا باعتبار ان هاجر أم إسماعيل هي أصل العرب منذ ا ن هاجر بها سيدنا إبراهيم إلي أرض غير ذي زرع عند البيت الحرام وأقام إسماعيل وابراهيم القواعد ليتحول الأرض العربية إلي أرض خصبة مع مرور الزمن فظهر البترول والغاز نتيجة لدعوة إبراهيم وإسماعيل فأصبحت شعوب كثيرة تأوي إليهم وإلي أرضهم وإلي البيت الحرام وهما إحدي ركيزتي شعب مصر مع أخوتهم من المسلمين من العرب ومن الأفارقة أيا كانت ديانتهم ومذاهبهم فالمصريون لا يفرقون بين أصولهم الإفريقية وأصولهم العربية فالتفاعل مستمر بين التوجهين النيل والثقافة وهما باعثا الحياة والحضارة لمصر القديمة وعبر العصور وساعدت مصر في بناء التكامل العربي والتكامل الإفريقي إثر استقلال تلك الدول وتعاملت بحس وطني وإفريقي وعربي أصيل من شعوب المنطقتين ولذا فإن النبي محمد عليه الصلاة والسلام أوصي بالأقباط وهم أهل مصر آنذاك خيرا فإنه ربط برباط وثيق بين مصر والعرب بقوله سيفتح الله عليه مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لي فيهم نسبا وصهرا في إشارة ضمنية للسيدة هاجر أم إسماعيل بن إبراهيم جد العرب وإشارة إلي السيدة مريم القبطية المصرية أيضا والتي تزوجها النبي الكريم كما تزوج إبراهيم هاجر لكي تنجب له الابن الذي يرثه وكانت إمراته السيدة سارة عاقرا ورزق النبي الكريم من السيدة مريم المصرية القبطية إبنه القاسم ولذلك أطلق عليه لقب أبي القاسم وهو الولد الوحيد الذي أنجبه النبي ولكن إرادة الله تعالي لحكمة لا يعلمها إلا هو توفي القاسم وهو طفل إذا ارتباط مصر بالعرب وإفريقيا هو إرتباط وثيق لا شك فيه وهو استمر وسوف يستمر عبر العصور. السابع: تقديم عبد الفتاح السيسي نموذجا للقيادة في النزاهة والأمانة والتخلي عن ثروته الموروثة لشعبه وهذه سابقة لم تحدث من قبل. كذلك استعداده لعدم طلب تجديد آخر احتراماً للدستور بأن يتولي الرئيس مرتين فقط. وهذا نموذج غير مسبوق لتطوير النظام السياسي المصري ووضع القيم والمبادئ كقدوة ورفض مفهوم الحكم الأبدي الدائم وتوريثه كما سعي لذلك بعض حكام مصر وحكام دول عربية بتوريث أبنائهم في نظم جمهورية وبذلك خالفوا أو إنتووا مخالفة أسس النظام الجمهوري بل النظام الإسلامي فالنبي لم يرثه أحد وإنما قامت دولة الخلافة الراشدة علي أساس الترشيح من أهل الحل والعقد ومن الحاكم السابق ثم البيعة من باقي الشعب المسلم وهذه هي مبادئ الإسلام ولم يورث أي من الخلفاء الراشدين إبنه وإنما ظهر مفهوم الوراثة بعد وفاة الخليفة الرابع بدوافع غير معروفة وملابسات موضع تساؤل ؟ والرئيس عبد الفتاح السيسي اقتدي بالقيم الإسلامية وأيضا بما نص عليه الدستور الصادر عام 2014 وكذلك بالسوابق المشهودة في الصين بعد ماوتسي تونج ووصول الزعيم الأسطوري دنج سياو بنج وتخليه عن السلطة بعد مرتين كل منها خمس سنوات ثم تابع الصينيون هذه القدوة الحسنة كما حدث أيضا في سنغافورة بتولي لي كوان يو الحكم وبناء الدولة ثم تخلي عنها وهو في قمة النشاط والحيوية وتولي بعده شخص آخر من الحزب وتعاقب الآخرون تباعا بما فيه إبنه جاء في دوره وليس وراثة لأبيه وإنما إعمالا للنظام الدستوري والحزبي ولم يبق في السلطة إلا كما نص الدستور والعرف التقليدي في كل دولة نقول إن دولتين آسيويتين إحداها صغيرة المساحة وكبيرة القوة اقتصادية وهي سنغافورة والثانية قوة كبيرة وتقترب من القوة العظمي الأولي في العالم بعد الولاياتالمتحدة وهي الصين العملاق الآسيوي والنمر القوي أو بعبارة أن تقدمها أصبح مثل ورقة اللعب المسماة ترامب قبل أن يعرف العالم اسم الرئيس الامريكي ترامب بما له وما عليه.