يحلو للبعض عندنا أن يترك الكبائر لحساب الصغائر.. وأن يعتبر المهرجان السينمائي سجادة حمراء ونجوماً بينما لا يتوقف عند السينما نفسها. سواء الأفلام التي عرضت. أو التي لم تعرض. أو كيفية عرضها والظروف التي عرضت فيها.. وفي دورة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي رقم 39 والتي انتهت مساء الخميس الماضي بتوزيع جوائزها في حفل كبير أقيم بقاعة "المنارة" الجديدة بمنطقة التجمع الخامس الكثير من الملاحظات الهامة والتي يجب أن نتوقف عندها كجمهور ومسئولين ولكن بينما تتوقف مسئولية جمهور المهرجان عند البحث عن الأفلام الجيدة أو المهمة أوالتي يفضلها المشاهد المحب للسينما والنزول من بيته واستخدام المواصلات والاستمرار في موقع المهرجان- دار الأوبرا غالبا- حتي المساء ثم العودة بما تيسر من مطبوعات فإن مسئولية المهرجان توفير الأفلام الجيدة والمهمة في مواعيدها المحددة والنشرة اليومية والندوات عقب العروض ولكن من هو المسئول عن توفير ظروف العرض الجيدة التي تخرج عن نطاق سلطات رئيس المهرجان؟ من المسئول عن مكان فسيح بحجم دار الأوبرا لم يستعد لحضور أكبر جمهور يحضر إليه سنويا فيري المكان وكأنه يستعد للصيانة والأخشاب ملقاة علي الأرض ملاصقة للمسرح الصغير الذي تجري عليه عروض المسابقة الرسمية يوميا. وحين أزيلت الأخشاب في اليوم الثالث. أقيم بدلا منها سور يحيط بالمكان. سييء المنظر وأرغم المشاهدين لعروض المسابقة الرسمية علي السير للمدخل الأبعد في ظلام دامس لم يبدده حتي ضوء القمر! بالطبع كانت دار الأوبرا قد اعتذرت عن إعارة "المسرح الكبير" للمهرجان لعروض هذه المسابقة كما حدث في السنوات السابقة بسبب مهرجان الموسيقي العربية.. وهذا حقها.. ولكن ماذا عن حق المهرجان السينمائي ورواده؟ وماذا عن اغلاق الكافتيريا الخاصة بالمجلس الأعلي للثقافة والتي كانت مهمة في تخفيف العبء عن جمهور المهرجان بأسعار معقولة تجاه الكافتيريا الوحيدة التي تركت لهذا الجمهور الكبير بدون أي تقدير لاحتياجاته وامكانياته.. وحتي الكافتيريا الثالثة المواجهة لقاعة الفنون في المدخل الأول للأوبرا كانت تفتح وتغلق بمزاجها.. هل نحن جادون فعلا في الحفاظ علي جمهور مازال يعشق السينما ويتابعها ويدرك أهمية وقيمة ما يحضر إليه عبر مهرجان القاهرة السينمائي بدلا من ركونه إلي شاشات التليفزيون وما تختاره له؟.. لقد أورد عدد من منتجي وموزعي السينما في مصر احصائيات مثيرة للقلق لابد أن نتوقف عندها وأن تثير اهتمام وزارتي الثقافة والاقتصاد وكل أجهزة الدولة المهتمة بالثقافة المصرية. الاحصائيات قدمت في الندوة التي أقامها المهرجان حول "النتفلكس" أي البدعة الجديدة لعروض الأفلام في البيوت فقط.. بدون مرورها علي قاعات السينما واختصار مشاهدتها علي شخص واحد فقط. أو أسرة بدون ذلك الطقس الجماعي للمشاهدة وهي تقول ان اجمالي عدد التذاكر التي يقطعها المصريون سنويا في كل دور العرض هو 13 مليون تذكرة لشعب يزيد تعداده عن 100 مليون. بينما يقطع الفرنسيون 220 مليون تذكرة سينما لشعب تعداده 160 مليونا من البشر وأن ثمن عدد التذاكر المصرية يذهب نصفه إلي قاعة العرض وأصحابها والنصف الآخر إلي الشركة أو المنتجين للأفلام وانه في النهاية يصل اقتصاد السينما في مصر إلي ثمانية ملايين دولار سنويا.. فقط بينما يصل في بولندا إلي 258 مليونا وفي كوريا الجنوبية إلي 44 مليونا في احصائيات عام 2016.. هذه الأرقام التي قدمها المنتج والموزع جابي خوري عبر الندوة قابلتها آراء أخري شديدة الأهمية في قضية للحفاظ علي هوية السينما عامة وهوية السينما المصرية خاصة في مواجهة موجات عاتية تسعي إما لرفض الفن كله أو محاولة توهينه بأسماء أخري مثل "الفن النظيف" أو لهدم ما يخصه من مواقع فنية وثقافية ولا أدري هل يوجد لدي أي جهاز في مصر احصائية بعدد دور العرض السينمائي الشغالة والمغلقة والتي تم هدمها! وهل لدي وزارة الثقافة المصرية ووزيرها الأستاذ حلمي النمنم خطة للتعامل مع مهرجان القاهرة السينمائي بعد انتهاء دورته وحتي الدورة القادمة التي تحمل الرقم الأربعين؟ تغييرات ضرورية * يسرع الكثيرون إلي تساؤل عن الرئيس الجديد للمهرجان بدون التوقف عند الأمور الأكثر أهمية مثل وضعيته كمهرجان وهل يستمر تابعا لوزارة الثقافة أم يصبح كياناً مستقلاً كمؤسسة لها قوانين تكفل استمرارها مهما تغير الوزراء وأن يصبح له مقر آخر يقدر من خلاله علي إدارة أنشطة ثقافية وسينمائية وأن يتمتع في الوقت ذاته بوضعية تسمح بدعم مؤسسات الدولة والمحليات له مثل مهرجان كان العريق ومهرجان دبي الشاب وأن يكون ضمن أجندة وزارات السياحة والشباب والحكم المحلي والتعليم العالي.. فهل هذا ممكن.. أم مستحيل؟ وهل علينا في كل عام البحث عن مخرج لمشاكل تقليدية للمهرجان أم دفعه إلي آفاق أوسع قبل البحث عن الرئيس الجديد.. وهو بحث وراءه من يلهث وراء هذا الموقع ربما من اللحظة التي نشرت فيها جريدة "الشرق الأوسط" السعودية الكلام المنسوب لرئيسة المهرجان د.ماجدة واصف عن استقالتها التي قدمتها للوزير قبل المهرجان بشهر كامل لرغبتها في اعتزال العمل العام بعد نهاية الدورة 39. قالت ماجدة هذا لصحفي صديق جاء ضيفا علي المهرجان فنشره دون استئذان وكان فرصة لجيش المنتظرين لصناعة الاشاعات.. في كل الحالات فقد اجتهدت ماجدة واصف كثيرا من أجل خروج الدورة 39 في أفضل صورة.. وباب الاجتهاد مفتوح للقادم الجديد رئيسا للمهرجان وفي مصر كثيرون قادرون. لكن بعد حل مسألة وضعية المهرجان ذاته.. وكل ما يتعلق به من تمويل ومقر وقاعات ودعاية وإذا كان العقد الذي حصلت منه شبكة قنوات DMC علي حق رعاية المهرجان في الدورة السابقة قد أسدي خدمة دعائية هامة له. كذلك قدم بديلا رائعا لقاعة الأوبرا بقاعة المنارة. فإن نظام التعامل مع المدعوين لحفلي الافتتاح والختام يحتاج إلي إعادة نظر من الألف للياء وإلي فهم لنوعية ضيوف المهرجان والقواعد المتعارف عليها في هذه المناسبات وأخيرا ادراك ان الرعاية ليس فقط الافتتاح والختام وإنما ما يقدم من برامج وعروض وندوات وكيف يقدم علي الشاشة الراعية.. وفي أي أوقات. أفلامنا عن فلسطين والقدس .. أين هي ؟ * حين تقدم كل الفضائيات العربية والدولية الأزمة الكبري التي تسبب فيها الرئيس الأمريكي ترامب بموافقته علي نقل سفارة بلده للقدس وحين تجتهد كل فضائية في تقديم ما لديها من مواد إعلامية سواء من خلال المراسلين أو البرامج أو الرسائل الخارجية نكتشف مدي الخلل الذي أصاب بعض القنوات المصرية في تغطياتها لهذه الجريمة الأمريكية في حق الفلسطينيين والعرب.. وقد عثرت بالصدفة علي دعوة وصلتني بالفاكس من قناة النيل للأخبار التابعة لقطاع القنوات المتخصصة باتحاد الاذاعة والتليفزيون المصري. تاريخها يعود إلي الثامن من مايو عام 2002 وحيث عرضت النيل للأخبار يومها علي المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية أربعة أفلام تسجيلية حديثة من إنتاجها ترصد الأحداث الدامية التي تشهدها فلسطين وما يترتب عليها من دمار وخراب وازهاق أرواح الأبرياء دون أي اعتبار للمعاهدات والمواثيق الدولية.. هكذا قالت الدعوة. أما الأفلام التي ذهبت لمشاهدتها مع جمع كبير وبعدها عرضت علي شاشة القناة فهي فيلم "النيل يعانق فلسطين" الذي قدم آمال وطموحات أبناء المدن الفلسطينية المختلفة تحت راية السلطة الفلسطينية في ظل السلام الجديد قبل ان تحطمه مدافع شارون. وحيث أعيد إنتاج الفيلم ليصبح فيلمين قبل وبعد ليري الناس الفارق الشاسع بين زمنين قصيرين أما الفيلم الثاني فهو "بنت صهيون" ويتتبع القصة الحقيقية لانشاء الدولة الصهيونية طبقا لموسوعة "اليهود واليهودية الصهيونية" للدكتور عبدالوهاب المسيري ويكشف زيف الادعاء بحقوقهم في أرض فلسطين أما الرابع فهو فيلم تسجيلي عن انتهاك إسرائيل لحقوق الصحفيين العاملين في تغطية أخبار الأرض المحتلة سواء الصحافة الدولية أو المسموعة والمرئية ومن بينهم فريق "النيل للأخبار" حيث اعتقلت مراسلة القناة أيامها "شروق أسعد" في إحدي التغطيات وفي مرة أخري أصيب اثنان من مصوري القناة أحدهما كانت إصابته خطيرة.. هذه الأفلام التي أنتجها التليفزيون المصري وقناته الاخبارية القوية في بدايتها أين ذهبت؟.. وهل ضاعت أم محفوظة ومنسية في الادراج.. ومتي تعرض إذا لم تعرض الآن لتقدم الحقائق بديلا عن الكلمات.. ولتكون كلمة حق ضد قرار باطل.