من "توك توك" استقلته من أمام باب بيت أسرتها بإحدي قري مركز الحوامدية بالجيزة وهي تحمل رضيعتها متوجهة إلي موقف سيارات الأجرة "الميكروباص" بالطريق الرئيسي لتستقل إحداها متجهة إلي محكمة الأسرة لرفع دعوي إثبات نسب رضيعتها لوالدها الخليجي الجنسية الذي هجر عش الزوجية وغادر البلاد عائداً إلي دولته. طوال الطريق كان ركاب الميكروباص يتحدثون إلا هي ظلت شاردة وهي تنظر لرضيعتها محاولة إخفاء الدموع التي رقرقرت بين أجفانها ولم تنتبه إلا لصوت السائق وهو ينادي "الأجرة يا إخوانا". فتحت كيس نقودها ودفعت الأجرة وعندما وصل "الميكروباص" إلي محطته الأخيرة نزلت مع بقية الركاب وتوجهت إلي حيث المحكمة. بخطوات متثاقلة وفكر شارد دخلت إحدي قاعات المحكمة تلتفت يميناً ويساراً وهي تخرج من حقيبتها بعض الأوراق. جلست في أحد المقاعد الخلفية تحملق في حاجب المحكمة تنتظر سماع اسمها فطال الانتظار وسط العشرات أمثالها ممن ينتظرون دورهم. في تلك اللحظات أعادت شريط ذكريات زواجها من ذلك الرجل الخليجي الجنسية الذي يكبرها بحوالي ثلاثين عاماً.. في ذلك اليوم جاءها والدها وهي لم تكتمل الخامسة عشرة من عمرها يخبرها بموافقته علي تزويجها لثري خليجي تقدم لخطبتها وقدم لها مهراً يتجاوز ال 20 ألف جنيه بخلاف الشبكة من سلاسل ذهبية وخواتم وغوايش. *** في ذلك اليوم اعترضت "فتحية" وحاولت إقناع والدها أنها مازالت صغيرة علي الزواج وأنها تعترض علي الزواج من رجل يكبرها بكل هذه السنوات لكن الأب نهرها وسبها وكاد أن يعتدي عليها بالضرب في وجود أمها التي تدخلت في الحوار وأقنعتها أن "جواز البنات سترة" وأن العريس لقطة قدم لهم كل ما يطلبونه. أمام إصرار والدها وافقت علي مضض وبسرعة تمت الخطبة وأعد العريس العجوز شقة مستأجرة بمنطقة العجوزة بالمهندسين وزفت إليه في حفل عرس اقتصر علي بعض الأقارب والجيران. وجدت نفسها فتحية عروساً تحمل لقب طفلة ووجدت نفسها مع رجل في عمر أباها يتقوي بالمنشطات الجنسية التي توهمه بأنه مازال شاباً قادراً علي إشباع زوجته. عاشت معه عدة أشهر لا يبخل عليها بشيء.. يعطي لها ما تطلبه من أموال ويشتري لها ما تريد من هدايا وفجأة انقلب حاله وتغيرت أحواله فور علمه بأنها تشعر بأعراض الحمل. اصطحبها إلي عيادات أحد أطباء النساء والتوليد بمنطقة المهندسين وبعد إجراء التحاليل اكتشف أنها حامل في أوائل شهور الحمل فطلب منها الإجهاض لأنه متزوج من امرأة من دولته ويعول نصف دستة أولاد وبنات ولا يريد أبناء. صغيرة لا تعلم شيئاً عن الحمل والإجهاض فرفضت فكرة الإجهاض فاعتدي عليها بالضرب وساء معاملتها فلم يكن أمامها سوي الهرب من شقته والعودة إلي بيت الأسرة. حكت ما حدث لوالدها الذي أيد رغبة زوجها في الإجهاض لتعيش معه لكنها رفضت كلام الأب وحافظت علي جنينها ومضت الشهور حتي أنجبت رضيعتها التي أسمتها "أمل". أثناء فترة تواجدها في بيت الأسرة حمل الزوج حقائبه وسافر إلي دولته وغادر البلاد. وهي شاردة في ذكريات زواجها نادي الحاجب عليها فانتفضت في مقعدها وتوجهت إلي منصة العدالة ووقفت وهي تحتضن رضيعتها تحكي مأساتها. قالت: والدي باعني صغيرة لثري خليجي.. قبض الأب الثمن وهجرني الزوج وتركني ورضيعتي وبينما تتحدث غالبتها الدموع واختل توازنها وكادت أن تسقط مغشياً عليها من هول المأساة. حكاية "فتحية" مثلها عشرات الحكايات لفتيات ضحايا زواج القاصرات وطمع الأباء حكاية وإن انتهت في محكمة الأسرة بدعوي إثبات نسب والمطالبة بحقوق الزوجة إلا أنها لم تنته ولم تنته الحدوتة.