نعرف عن الشعب اللبناني أنه محب للحياة.. باحث عن السعادة.. ولكن هذا الحب لا ينفي أن لبنان ذاق ويلات الحرب الأهلية التي بدأت دون أن يعرفوا إلي متي وانتهت دون أن يعرفوا لماذا ومازالوا حتي الآن قلقين من رمادها. يبدو لنا كمشاهدي السينما أن هناك صورتين للبنان.. لبنان مرح منطلق شاهدناه في الأفلام المصرية المصورة هناك أو في الأفلام اللبنانية المتأثرة بتراث السينما المصرية التقليدية.. مناخ رومانسي مسرح لقصص الحب فوق جبال الأرز أو فيديو كليب لمطربي الغرام سبق الفيديو الكليب الحديث بين خطوات الدبكة وسحر الحسناوات.. وهناك لبنان آخر لم نشاهده بما يكفي.. لبنان حولته الحرب إلي فرق وميليشيات.. فكان الضحايا بين قتلي ومفقودين بالآلاف.. واستمر الوجع في قلوب من عاصر الحرب وحتي الأجيال الجديدة وإن تمردت لا تخفي ما تركته ذكراها من أثر. لبنان الواقع جذب السينما الجادة وظهر جيل من المؤسسين من مواليد الأربعينات والخمسينات درسوا في فرنسا وبلجيكا ولما قامت الحرب وجدوا أنفسهم جزءا من المشهد الملتبس.. عاشوا أيامها وطرحوا تساؤلاتها سواء من داخل لبنان و خارجه والحصيلة جيل رائد وأفلام هامة لا نراها علي شاشات التليفزيون فكانت الفرصة الذهبية لمحبي السينما في أيام الفيلم اللبناني الذي استضافته جمعية النهضة العلمية والثقافية جزويت القاهرة بالتعاون مع جامعة القديس يوسف ببيروت ونادي لكل الناس مؤخراً ضمن جدولاً مكثفاً أستمر أربعة أيام ما بين ورش عن تاريخ السينما اللبنانية وواقع الفيلم القصير وتجربة نادي لكل الناس للحفاظ علي أرشيف السينما بالإضافة إلي أفلام رواد التيار الجاد مارون بغدادي وجان شمعون وجوسلين صعب. وبرهان علوية . ورندة الشهال ومنها التسجيلية وكانت الحرب موضوعا أثيرا وشهادة تاريخية وانسانية عبر هذه الأفلام في فعاليات شهدها مسرح استديو ناصبيان العريق. أتاحت أيام الفيلم اللبناني النقاش حول ماضي وحاضر السينما اللبنانية مع محبيها مثل نجا الأشقر رئيس نادي لكل الناس وهي جمعية ثقافية تأسست عام 1998 لدعم الانتاج الثقافي المحلي عبر تشجيع الفنانين وتقديم العروض السينمائية وترميم تراث السينما ولهم جهد كبير في ترميم أفلام مارون بغدادي وإعادة عرضها خصوصا التي حرمت من العرض لظروف الحرب اللبنانية كما حضر المخرج اللبناني وأستاذ السينما هادي زكاك الذي تحدث عن اتجاهات الفيلم اللبناني وتطوره من الصورة النمطية للبنان لأعمال تجديدية نالت التقدير الدولي ومن أحدثها فيلم التحريك القصير أمواج 98 الحائز علي السعفة الذهبية في مهرجان كان 2015. ومع عروض الرواد. تواجدت عروض خريجي السينما الجدد من 9 مدارس سينما لبنانية يقدم خريجوها أفلاما قصيرة متنوعة وتشارك في مهرجان الفيلم العربي القصير الذي ينظمه نادي لكل الناس ببيروت سنويا ويغلب عليها الاتجاه الاجتماعي والشخصي لتعكس أزمة الهوية التي يعانيها هذا الجيل مقارنة بالجيل القديم الذي عاش الحرب. وهكذا استطاعت أيام الفيلم اللبناني رغم جدولها المشحون تقديم صورة جديدة وجادة عن السينما بالبلد الشقيق لنري بيروت بتنوعها وثرائها الثقافي وثنائية الحياة والموت.. السلم والحرب التي شكلت الواقع اللبناني ومثلت جهدا مشكورا من الجيزويت برعاية الأب وليم سيدهم يؤكد أن مصر أم السينما التي استضافت المواهب العربية عبر السنين لا تنغلق علي ذاتها وتفتح عيون جمهورها علي آفاق أوسع من الفن والحياة.