أول ما يلفت النظر قبل مشاهدة فيلم "الشيخ جاكسون" أن الرقابة أجازت عرضه للكبار فقط "«18" كما حذفت حرفي الآلف واللام فأصبح "شيخ" فقط بدلاً من "الشيخ" وبعد مشهد لجنازة غامضة في الصحراء يبدأ الفيلم بتعريف الشخصية الرئيسية وهو شاب "أحمد الفيشاوي" أصابه فيروس "الهوس الديني" يردد دعاء الاستيقاظ من النوم ودعاء دخول الحمام ودعاء الخروج للسوق وهكذا. وندرك اننا أمام شاب يعاني من الاكتئاب ويفكر في الموت وعذاب القبر.. باختصار عنده نوع من الاضطراب النفسي الحاد صبغ حياته وعلاقته بأسرته الصغيرة.. الزوجة "أمينة خليل" وطفلته التلميذة بالمدرسة. يقدم الفيلم لمحات من حياة البطل بالإسكندرية في 3 مراحل.. في الطفولة كانوا يسمونه دودة "الطفل عمر أمين" وفي سن المراهقة "أحمد مالك" ويسمونه "جاكسون" بسبب تعلقه بأغاني ورقصات المغني الأمريكي الشهير مايكل جاكسون. وفي سن الشباب "أحمد الفيشاوي" وينادونه بالشيخ بسبب التزامه الديني وهو إمام للمصلين. ويعمل بعد الزواج مع خاله بالقاهرة في تجارة شرائط الكاسيت الدينية في التسعينيات. كان الشيخ الشاب يبكي في الصلاة طمعاً في الثواب الذي ينتظر العين التي بكت من خشية الله. وهو عدم دخول النار كما جاء في الحديث الشريف. لكن عندما يعلم الشيخ بوفاة مايكل جاكسون يشعر بصدمة هائلة المفترض انها تمثل نقطة تحول في شخصيته. لكن المخرج عمرو سلامة وهو في نفس الوقت كاتب القصة يأخذنا في اتجاه التأكيد علي مأساة البطل حيث إنه توقف عن البكاء في الصلاة. وهو بالمناسبة أحد مظاهر الإسلام السلفي. وأصبحت مشكلته أنه يريد العودة إلي البكاء مرة أخري كدليل علي إيمانه وتقواه. يقدم الفيلم شخصية الأب "ماجد الكدواني" وهو شخص رياضي يعمل مدرباً في جيمانيزيم.. مضطرب نفسياً خاصة بعد أن ماتت زوجته. عنده "هوس جنسي" يظهر ذلك في مشهد وجوده مع فتاة في البانيو ويسأل هل الشيطان ذكر أم أنثي؟.. نفهم من ذلك أن الشيخ الشاب ضحية أب "مخبول" أحياناً يعامله بطيبة وأحياناً بعنف وقسوة. يصف الأب مايكل جاكسون بالمخنث ويرد الطفل "يعني عامل إزاي من تحت؟" وهنا تتضح المشكلة الموجودة في فيلم المخرج عمرو سلامة. وهي حرصه الزائد علي تقديم شخصيات مريضة ومرتبكة سواء كان الشيخ جاكسون أو والده وكان لذلك تأثيرة المدمر علي الفيلم كله. الهوس الجنسي للأب يقابله الهوس الديني للابن. وكما أحب الشيخ أغاني جاكسون في شبابه أحبت ابنته الصغيرة أغاني "بينوسية" وتشاهدها علي "اليوتيوب".. والسؤال: هل نحن نشاهد صراعاً بين الثقافة المحلية التي يمثلها الشيخ والحداثة التي يمثلها مايكل جاكسون؟.. نعم هذا وارد في المجتمعات التي ساهم النفط في انتقالها المفاجئ من التخلف إلي الاتصال بالحضارة الأمريكية في قمة سيطرتها علي العالم. لذلك فان "الشيخ جاكسون" ليس مصرياً بل هو شخصية متخلفة قادمة إلينا من الصحراء وليست منا. مصر لم تعرف "الصدمة الحضارية" التي يتحدث عنها فيلم عمرو سلامة الذي اختاروه ليمثل مصر في مسابقة الأوسكار. وقرب نهاية الفيلم نعلم أن الاسم الحقيقي للبطل هو "خالد". لذلك فان كل من "الشيخ" و"جاكسون" لا يمثلان الشخصية الحقيقية للبطل المدفونة داخله. فالشيخ من وجهة نظري لا يمثل حقيقة البطل لأنه يمثل ثقافة وافدة علي البطل. كما أن جاكسون يمثل ثقافة أجنبية قادمة من الحضارة الغربية. لذلك فإن الحالة التي يظهر عليها خالد في نهاية الفيلم كشخص منقسم يرتدي الجلباب ويطلق اللحية وفي نفس الوقت يرقص علي موسيقي جاكسون.. هذه الحالة هي "حالة ذهنية" فاقدة للحياة توجد في ذهن وخيال عمرو سلامة. وليست معاناة واقعية كما أراد أن يقدمها الفيلم. كتعبير عن حقيقة الأزمة المجتمعية أو الفردية التي يعاني منها البطل. ساهم عمر خالد الذي اشترك في كتابة السيناريو في منح الفيلم رؤية جيل جديد جاء إلي العالم ليجد الواقع علي هذه الصورة المشوهة فقدمها بصدق علي الورق. لكن المخرج عمرو سلامة فشل في تقديم هذه الرؤية لأن فاقد الشيء لا يعطيه. وحاول باستخدام الكثير من إدعاء العمق تقديم صورة للازدواجية التي نعاني منها. لكنه للأسف بدي غريباً وغامضاًَ وكأنه هو ذاته يعاني من ازدواجية من نوع آخر. عاد خالد إلي الإسكندرية يريد أن يعيش في الشقة القديمة ويريد أن "يتصالح" مع الماضي كما نصحته الطبيبة النفسية "بسمة" ولكنه أصبح "مسخاً" بمعني الكلمة من الطبيعي أن يثير عطف وشفقة المشاهد. ولكن للأسف الشديد حتي هذه لم ينجح عمرو سلامة في انتزاعها من المشاهد. كما هو معلوم فان الدراما غير الحياة الحقيقية التي نعيشها. بمعني اننا نقابل في الواقع الكثير من الشخصيات المزدوجة أو التي لديها رغبات مكبوتة ورغم ذلك تعيش بيننا بأمراضها الداخلية دون أن تفعل شيئاً لحل ازمتها. ولكن في السينما هل يصح أن يكتشف البطل أزمته النفسية ويقف الفيلم عند تلك النتيجة فقط.. هذا ما حدث في "شيخ جاكسون".. تميزت جميع العناصر الفنية في الفيلم خاصة أداء أحمد مالك وماجد الكدواني وتصوير أحمد بشاري الذي قدم لقطات جيدة ومدروسة وموسيقي هاني عادل وغناء ياسمين رئيس لأول مرة في أغنية لطيفة. بالإضافة إلي ملابس ريم العدل.