حلم الاستقلال.. وبريق إعلان دولة مستقلة.. وراء المحاولات المتكررة للانفصال أو إعلان الاستقلال من طرف واحد.. في دول تحمل مكوناتها بذور الانفصال التي تغذيها أحلام الاستقلال.. أو المؤامرات الخارجية.. وهو ما ينطبق علي ما يجري الآن في جنوب اليمن الذي لم تتوقف فيه محاولات الانفصال منذ أعلنت الوحدة بينه وبين الشمال.. الذي استخدم القوة العسكرية لوأد محاولة الانفصال في سنوات سابقة.. وقد عاد الحديث يتجدد الآن عن رغبة البعض في اليمن الجنوبي في الانفصال.. وإعلان الاستقلال.. وسوف تبين الأيام كيف يجري التعامل مع هذه المحاولة.. في ظل الحرب المستعرة في اليمن الآن.. ومنذ جري الاستفتاء غير الشرعي علي انفصال اقليم كردستان عن العراق. وردود الأفعال الرافضة له تتزايد وتتسارع ومعها أيضا تتسارع محاولات انفصال أخري كانت أشبه بنيران تبرز من بين الرماد.. نفخ فيها استفتاء الانفصال في كردستان قُبلة الحياة.. فتسارعت وتيرتها.. وأعلنت عن نفسها كما يحدث في اليمن.. وكما حدث أيضا في الكاميرون.. في مقاطعاته الناطقة بالإنجليزية.. والتي أعلنت عن رغبتها في الانفصال عن الكاميرون.. بدعوي تحكم الناطقين بالفرنسية فيه.. أما اقليم كتالونيا في اسبانيا ومحاولة الانفصال عن الوطن الأم.. فأزماته تتفاقم منذ عام ..2012 إلي أن استقلت مؤخراً بإجراء الاستفتاء علي الاستقلال الذي رفضته المحكمة الدستورية. والحكومة بالتالي.. وواجهت بكل شدة.. وترفض حكومة العراق كذلك استفتاء كردستان.. وتحاول الوساطات من أطراف عديدة نزع فتيل المواجهة.. وكذلك يحدث نفس الأمر في كتالونيا.. حيث تصاعدت المظاهرات ضد الانفصال ليس في مدريد فقط.. وإنما أيضا في برشلونة عاصمة الاقليم نفسه بعد أن خرجت الكتلة الصامتة.. التي لم تكن صوتت في الاستفتاء الذي شارك فيه 42% من جملة الناخبين. ولم تكن محاولة انفصال اقليم كردستان.. ولا محاولة اليمن الجنوبي. أول المحاولات في الوطن العربي.. فقد شهدت مصر عمليتي انفصال علي مدي أقل من عشر سنوات.. كانت الأولي حين انفصل السودان عن مصر عام ..1956 منهياً بذلك حلم "وحدة وادي النيل" الذي كافحت من أجله واستشهد في سبيله أجيال وأجيال علي امتداد شطري الوادي في مصر والسودان.. أما الانفصال الثاني عن مصر.. فكان في عام ..1961 حين انفصلت سوريا عن مصر منهية بذلك دولة الوحدة: "الجمهورية العربية المتحدة".. بل وربما منهية بذلك حلم الوحدة في الوطن العربي إلي الأبد.. رغم تكرار محاولات الوحدة بعد ذلك بين مصر وسورياوالعراق.. ثم بين مصر وسوريا وليبيا والسودان.. ثم بين ليبيا وسوريا.. وكلها كانت محاولات علي الورق وفشلت.. وكانت تجربة الانفصال الثالثة في الوطن العربي بين السودان وجنوب السودان.. نتيجة اتفاقية نفاشا.. وكان السودان يستطيع إيقاف الانفصال لو أراد.. بعد مخالفة جنوب السودان للكثير من بنود الاتفاق. بما كان يمنح السودان الحق في إيقاف استفتاء تقرير المصير.. ولو بشكل مؤقت.. حتي تتوفر الظروف الملائمة لإجرائه.. ولكن كان واضحا أن السودان يريد أن يتخلص من عبء الجنوب.. وقد اختلفت مواجهة الانفصال من دولة إلي أخري وسواء جري باستفتاء أو لم يتم من خلال الاستفتاء.. كان الانفصال الأول في الوطن العربي بين مصر والسودان. والذي أعلن قبل اجراء استفتاء تقرير المصير في السودان الذي تم الاتفاق عليه بين مصر وبريطانيا والسودان.. ولم تعترض مصر علي إعلان الانفصال.. بل باركته.. واعترفت به جمهورية مستقلة بعد أن خطي السودان الخطوة الأخيرة في طريق الانفصال بإعلانه الجمهورية السودانية في 19 ديسمبر ..1955 ثم إعلان استقلال السودان رسمياً في أول يناير ..1956 ودون إجراء استفتاء تقرير المصير المتفق عليه.. ولم تر مصر في ذلك الوقت للأسف ان هناك مجالاً للوقوف ضد رغبة السودان في الانفصال.. وقد يثور هنا سؤال.. أو أسئلة: هل كانت مصر في ذلك الوقت تملك أن تقول لا للانفصال الذي أعلن من طرف واحد. ودون إجراء استفتاء يتم فيه تقرير المصير طبقاً للاتفاق؟.. وهل كانت مصر في موقف يسمح لها بالاصرار علي إجراء الاستفتاء طبقاً لهذا الاتفاق؟.. وهل كانت تتغير النتيجة لو حدث ذلك؟.. وهناك بالطبع أسئلة أخري كثيرة.. لابد أن الباحثين والمؤرخين قد توقفوا. أو سوف يتوقفون أمامها. لكي يحددوا أين وكيف ومتي وقع الخطأ أو الأخطاء التاريخية التي أضاعت السودان.. وكيف كان يمكن معالجة الموقف.. أو المواقف التي أدت إلي هذا.. حتي وإن كانت عحلة التاريخ لا تعود إلي الوراء.. ونلاحظ ان مصر تصرفت بنفس الأسلوب تقريباً مع الانقلاب الذي أطاح بالوحدة مع سوريا.. التي جاءت باستفتاء وذهبت بمؤامرة وانقلاب.. وطبعاً كانت هناك أخطاء أدت إلي ذلك.. أو ساعدت عليه.. ولكن مصر في مواجهتها للانقلاب.. وبعد أن جري التأهب لهذه المواجهة. انقاذاً لدولة الوحدة. أوقف جمال عبدالناصر القوات التي كانت في طريقها إلي سوريا.. رافضاً أن يسمح بتقاتل الأشقاء. وقد لعب الاستعمار والتآمر الخارجي دوراً مهماً في انفصال السودان عن مصر.. وكذلك في انفصال سوريا عن مصر.. وأخيراً في محاولة اقليم كردستان الانفصال عن العراق. في السودان كرست بريطانيا كل جهدها لإضعاف أي أمل لقيام الوحدة بين مصر والسودان.. وساعدت أخطاء مصرية.. تراكمت منذ القرن التاسع عشر. مع التآمر البريطاني علي الوصول إلي هذه النتيجة.. أما في كردستان.. فمع أخطاء صدام حسين فقد لعب الاستعمار الأمريكي دوراً مهماً فيما وصلنا اليه.. بداية من فرضه الحماية علي هذا الاقليم منذ أيام صدام.. ثم حربه علي العراق.. وتفتيته لدولته.. واشعال الفتنة الطائفية البغيضة.. يضاف إلي هذا الاستعمار الإسرائيلي الذي يطمح إلي لعب دور في كردستان يعيد إحياء حلمه من الفرات إلي النيل.. ولعل هذا يفسر ظهور الأعلام الإسرائيلية جنباً إلي جنب مع أعلام الانفصال التي يرفعها أبناء الاقليم الذي تغلغلت فيه إسرائيل وموسادها بما فيه الكفاية. وعلي مدي سنوات قامت بإعادة تصدير عائلات يهودية من أصول عراقية إلي كردستان.. لتشتري الأراضي في الاقليم ليكون لها موطئ قدم.. وإسرائيل تكاد تكون وحدها الآن التي تؤيد انفصال كردستان.. وإذا كانت مواجهة عمليات الانفصال تختلف من حالة إلي أخري حسب الظروف في كل حالة.. فإن التنبؤ الآن بما سوف يحدث في كردستان أو كتالونيا. يبدو صعباً.. في ظل الرفض التام للحكومتين العراقية والاسبانية.. وفي ظل الاصرار ممن أجروا الاستفتاء في الحالتين علي المضي قدماً في الانفصال..