"أنا سيدة دمرها الإدمان وحولها إلي بقايا امرأة. صدقوني نفسي أتعالج وأفوق من الهم اللي أنا عايشة فيه. انتوا بتكتبوا عن تجار المخدرات. طيب اكتبوا عننا جايز نلاقي اللي يساعدنا".. كانت هذه الكلمات صرخة مدمنة جاءت عبر هاتف الجريدة تستغيث وتطلب النجدة لها ولعدد كبير من المدمنين في شوارع مصر يعجزون عن العودة من طريق الضياع والموت. في المقابل قال العميد غالب مصطفي مدير مكافحة المخدرات بالقاهرة: "لن ننتصر علي تجار المخدرات ولو أغلقنا كل يوم "وكر" من أوكارها إلا بمحاولات جادة من كافة الجهات المعنية للقضاء علي ظاهرة الإدمان. واقناع المدمنين بترك هذا الطريق الذي يؤدي إلي الهلاك ومساعدتهم في العلاج فالأمن يأتي كآخر الحلول والقانون يصدر أحكاما رادعة تصل إلي الإعدام والداخلية تفعل كل ما في وسعها وإدارات المخدرات تقوم بدورها بالكامل إلا أننا ننتظر المزيد من الجهود مع ازدياد أعداد المدمنين. "الجمهورية الأسبوعي" تعبر جدران الأسرار وتدخل امبراطوريات الصنف المدججة بالسلاح لأول مرة من خلال مدمنيها وبالتحديد السيدات اللاتي بتن يكرهن هذه الحياة ويتمنين الخلاص منها بعد أن ضيعت مصائرهن ومستقبل أسرهن وجعلتهن يتنازلن عن شرفهن وكرامتهن. البداية كانت من هنا بولاق الدكرور بعد أن أتت للقائنا "ليلي" الموظفة والأم المدمنة "الترامادول" التي باحت بأسرار علاقتها بالمخدرات محاولة منها للتكفير عن ذنبها وتقديم عربون حقيقي لنيتها في الخلاص من سيطرة حبوب الهلوسة. قالت "ليلي": صدقوني نسبة المدمنين في شوارع مصر كبيرة وسبب "جرايم كتير" بدل ما نضيع ونضيع غيرنا ساعدونا احنا مستعدين نرشد عن التجار وكل الطرق الجديدة للبيع والشراء للداخلية بس حد يعالجنا وتابعت ليلي: عدد كبير من المدمنين في شوارع مصر يعجزون عن العودة من طريق يقود إلي الضياع ويمضون مجبرين بعدما أذلهم "الكيف" وبات مسيطرا علي كافة أمور حياتهم ومتحكما في دقات قلوبهم التي عادة ما تتوقف بسبب صرخة تتعلق في بصيص أمل قادم بأن الجهات المعنية ستساعدهم بعد أن عجزوا عن مساعدة أنفسهم طارحين حلولا واقعية لتقليص سوق الكيف في مصر ضاربين المعادلة الصحيحة التي كان يراها الجميع معكوسة فالحل الأمني يأتي في نهاية المطاف. ليلي عرفتنا علي باقي المدمنيات من صديقات "البيسة" و"الضرب" والسف" واللاتي كن يرغبن أيضا في الخلاص ليتحولن إلي مرشدات لنا طوال المغامرة التي تكشف الكثير. لكل من هن حكاية قادتها إلي ذلك الطريق ولكل منهن شيطان وسوس إليها بأخذ أول "حباية" أو أول "شمة" لينتهي بها الأمر كمروجة لما تتعاطاه بالمجان أو تحت سيطرة شياطين الصنف الكاملة. تقول ليلي:بعت نفسي للشيطان وجسدي للتجار وصبيانهم من أجل الجرعات عندما كنت أعجز عن سداد قيمتها وأنا الأم لثلاثة أبناء لا أستطيع أن أنظر في عيونهم رغم عدم معرفتهم ان المخدرات التي تأكل قوتهم جعلتني أسقط في بئر الرذيلة وكل خوفي من أن يأتي ذلك اليوم الذي ينكشف المستور به ويضيع كل شيء. أضافت "أنا عاوزة الداخلية تساعدني.. أنا عارفة ان عندهم إدارة اسمها حقوق الانسان للحالات الانسانية وكنت هروح بس خفت يتقبض عليه.. معرفش هو الادمان ضمن الحالات الانسانية ولا لا".. تنهدت واكملت "ولو لا ياريت يخلوه.. في مدمنين كتير عاوزه تتعالج ومش لاقيه مصاريف العلاج أو اللي يقويها ويخرجها من اللي هي فيه.. بدل ما يقبضوا علي تاجر والمدمن يروح يدور علي غيره.. يساعدونا في العلاج فمش هيلاقوا تجار ولا دواليب لانه مش هيبقي في مدمنين أو علي الأقل العدد هيقل.. أنا عارفه انها مش وظيفتهم بس مين بيقدم مساعدة جد من غير مقابل غير الجيش والشرطة". تقابلنا مع "وردة" و"وردة" ليس اسمها الحقيقي بل الاسم الذي اخترناه لها لتتواري شخصيتها خلفه لترينا أماكن الشراء التي تذهب "لتستقضي" منها بالجيزة علي حد قولها.. قبل الذهاب إلي مغامرة عنوانها الخطر عرفتنا علي "سهير" التي لم تكن فقط مدمنة هيروين بل يستغلها تجار الصنف لترويجه علي الزبائن فأنوثتها كانت تحميها من أعين المباحث ولا تجعلها مجال للشك في الكثير من الأحيان من هنا تبدأ حكاية "نساء البودرة".. هنا في الشارع الذي تحكمه النساء فقط.. فمنهن أرامل مدمني مخدرات ماتوا بجرع "الأوفر دوس" ومع ذلك لم يتعظن أو يهابن توزيع سمومهن علي المتعاطين ليجعلن غيرهن أرامل أو زوجات لمحبوسين علي ذمم قضايا اتجار في المواد المخدرة. شارع طويل وكوبري يقفن عليه.. معروف انه مكانهن.. تمتلئ حافظات نقودهن بشرائط الترامادول وأجسادهن بقطع الحشيش.. يقصدن زبائهن ويتحدثن معهن بلغة فاقت الرجال قسوة فوجهة نظرهن انهن تاجرات صنف وليس بائعات للهوي وهو ما يضطرهن للتعامل غير الآدمي أحيانا مع بعض زبائهن الذين من وجهة النظر الأخري فبالنسبة إليهن تجارة المخدرات مهنة ربما ورثنها بعضهن أبا عن جد سلمتنا "وردة" ل"عبير" بائعة المناديل التي توجهنا معها إلي أحد الأوكار بعد أن جعلتني ارتدي مثلها دراءً أسوداً حتي لا نثير الشبهة بشراء "كيفها" فالشارع الطويل مملوء بصبيان أحد التجار الكبار والذين اتخذوه وكرا لهم.. شعرت بالفزع عندما رأته وهمست "ده مصطفي.. جاله ايدز من ضرب الحقن.. تقريبا حد عداه.. كان رايح يتعالج من الإدمان وهناك قالو له المصيبة دي ومفيش مستشفي عازوه تقبله وعايش هنا زي الجربان.. محدش بيقرب منه.. إلا الناس اللي متعرفش واللي بيعرفوا كده كده بعدين". وعن حكايتها مع "البودرة" قالت "عبير": الأم أيضا لطفلين انها تعرضت لصدمة نفسية عقب وفاة زوجها فلقدمت لها صديقتها أول جرعة في حياتها لكي تخرج من أحزانها لتتحول بعدها إلي مدمنة مثلها وأضافت "كنت مصدقة الجملة المشهورة اللي بيضحكوا بيها علي أي حد عاوز يجيب رجل حد للطريق ده.. خد جرب أنت اللي هتتحكم في مزاجك ووقت ما تحب تبطل تبطل.. وطبعا واحدة تجر واحدة تلاقي نفسك دخلت ومش عارف تخرج". "نساء البودرة والتامول" في الجيزة عرفونا علي "شادية" التي تسكن بعزبة خير الله بالقاهرة وهي أكثر من ترغب بينهن في العلاج بعد أن فقدت نجلها "بالأوفر دوس" ورغم كرهها للمخدرات إلا انها مستمرة في ادمانها فالعلاج بالنسبة إليها أمل صعب المنال. تختلف أسعار المخدرات ببولاق الدكرور عن خير الله.. فالعزبة بالنسبة للقاهرة هي مكان لتجارة الجملة لذا ينخفض سعر المخدرات بأنواعها فيها تقريبا بمقدار الضعف.. تقول "شادية" ناس كتير هنا واخده المخدرات مهنة وناس اكتر اتجرت ليها ودفعت التمن غالي زيي كده.. أنا نفسي أتعالج عشان ولادي التلاتة التانيين". الصنف الأكثر شيوعا هنا "البودرة" و"الترامادول" غير أننا رصدنا عودة "الابلادور" و"الالترا دول".. للمنافسة في سوق الصنف بعد اختفاء دام لعشر سنوات تقريبا و"الابلادور" أو "البلاطات" مثلما يطلقون عليه كاسم شعبي له أكثر تأثيرا وأشد فتكا من "الترامادول" ومشتقاته.. شريط "الابلادور" يحتوي علي 5 حبات ويباع ب150 جنيها. بمجرد ان تدخل ستدرك انك في واحدة من ممالك الصنف الكبيرة.. هنا فالشارع تباع المخدرات ليل نهار وللنساء نصيب كبير في الترويج أو في توصيل المخدرات خارج العزبة وعادة ما تكن مدمنات. تقول "شادية": أول ما اشتريت اشتريت من صيدلية هنا.. وبعد كده بقيت بشتري من الصبيان علي أساس انه لحد من اخواتي الولاد وبعد كده عرفوا اني بتعاطاه ولأن سعره غالي أقنعوني أبيع معاهم مقابل يومية اللي بتروح علي جرعتي طبعا. تضيف شادية نفسي أعيش في أمان.. أنا تبت من بيع "البودرة" بعد ما ربنا عاقبني واخد ابني "مني بنفس السم اللي بيعته لولاد الناس ولسه في رقبتي 3 بنات عاوزه اربيهم". في العزبة توجد "عربة الكبدة" الشهيرة التي يملكها المعلم "ع" ومنها يأخذ المدمنون المخدرات في سندوتشات الكبدة فزوجته تتخذ من السيارة ستارا لتجارتهما غير المشروعة. من خير الله قادتنا الصدفة إلي شخص اخبرنا ان مخدرات العزبة يحصل عليها التجار من صحاري "السلام" بالقرب من "بلبيس".. وبالرغم من المداهمات الأمنية إلا ان أسطورة بلاد الذهب الأبيض لم تنته.. كانت مغامراتنا الأكثرت خطورة في بقعة من أخطر بقاع خريطة تجارة المخدرات الأمنية المستمرة لأطرافها مازال قلبها الذي يحكمه الأعراب هو منبع "الهيروين" في القاهرة الكبري هنا يقبع ملوك "الذهب الأبيض" نسبة "للبودرة" مثلما يطلقون علي أنفسهم.. يتحصنون بمساحات الصحاري الواسعة والمرتفعات ويتفاخرون بصور لأسلحتهم الثقيلة كالجيرانوف الذي يلتقطون لأنفسهم صورا بجواره وهم ملثمون لنشرها علي صفحاتهم علي الفيس بوك في اشارة لبيان قوتهم. هناك ثلاث طرق تقودك إلي جحيم "السحر والجمال" بعيدا عن طريق مصر -الإسماعيلية الصحراوي والتي تبعد فيه عن القاهرة مسافة 30 كيلو مترا فقط فالطريق الأول يبدأ من داخل مدينة العاشر من رمضان وتحديدا من الأردنية مرورا بالمنطقة الثالثة ومنطقتي 30 و31 ومنطقة "بيفور" وصولا إلي هناك فيما يبدأ الطريق الثاني من مدخل ال60 مرورا بمنطقة "البركة" وصولا إلي منطقة هناك ويبدأ الطريق الثالث من مدينة "الصالحية الجديدة" حيث تبعد عنها نحو 15 كيلو مترا ونحو 5 كيلو مترات من مدينة وادي الملوك. وادي "شق القمر" هو المنطقة الحصينة داخل نطاق السحر والجمال ويمثل خطرا كبيرا لمن يحاول ان يقترب منها.. هنا لا وجود لأي لغة سوي الرصاص فأي خلاف يحدث بين التجار وزبائنهم يكون نتيجته طلقة تنهي حياة الزبون الذي يتم إلقاء جثته فيما بعد علي أسفلت الطريق الصحراوي. المنطقة يحكمها "العربان" و"الهاربون" من الأحكام والذين يحصنون تجارتهم أسلحة آلية متعددة يجلبون المواد المخددرة مثل "الكوكايين" و"الهيروين" و"الحشيش" من خلال تهريبها من شمال سيناء عبر "دروب" وسط الصحاري حتي أبوصوير بالإسماعيلية إلي أن تصل إلي منطقة السحر والجمال حيث البيع فكل تاجر له مكان للبيع يسمي ب"الدولاب" حيث يجلس علي حصير مفروش علي الأرض بجوار عشة صغيرة من "البوص" وفي جانبه سلاح آلي ويقف خلفه سيارات دفع رباعي نصف نقل يطلقون عليها "مارادونا" وتحمل علي ظهرها مدافع "الجرينوف" لتهديد المدمنين الذين يتوافدون عليهم من مختلف المحافظات والذين يصطفون في طوابير مثل طابور الخبز ينتظر دوره للحصول علي تذكرة "الهيروين" مقابل دفع المال الذي يحدده التاجر. عملية البيع تتم بعد تفتيش الوجوه الجديدة وسحب الهواتف المحمولة والتأكد من عدم وجود أي معدات تصوير أو أسلحة والتأكد من خلو المكان من رجال الشرطة من خلال "أبراج" مراقبة عديدة مخفية بين الأشجار يتواجد عليها "ناضورجية" مسلحين بمدافع متعددة الطلقات مهمتهم التحذير كما توجد خنادق لاخفاء البضاعة حال نشوب أي اشتباكات بين التجار ورجالهم والشرطة فهم يستقلون دراجات نارية يقومون بتمشيط المنطقة دائما وطوال الوقت لتأمين التجار والمدمنين بالداخل فكل هذا يصعب دائما من اقتحام ودخول الشرطة لهذه المنطقة وهذا ما جعلها منطقة أمان يتردد أكبر مروجي المواد المخدرة علي مستوي الجمهورية وأيضا المدمنون حيث أصبحت قبلة المدمنين من محافظاتالإسماعيليةوالقاهرةوالجيزة وحلوان والشرقية وبورسعيد ودمياط وتبدأ عملية البيع الجماعي والاقبال الشديد من قبل المدمنين بدءا من مساء كل يوم وحتي الساعات الأولي من الصباح عن طريق فتح ممرات للسيارات في المنطقة الجبلية الواقعة علي طريق الإسماعيلية - القاهرة لدخول المدمنين لشراء "الهيروين"!!