هل مازال هناك أمل.. في أن يفاجئنا الشعب المصري.. ويقدم لنا رؤية.. أو مشروعاً يحمل "روشتة".. أو وصفة لعلاج ما يعاني منه المصريون.. من ويلات. وخيبات وقضايا ومشاكل. لا أول لها.. ولا آخر؟!. وهل هذا الأمل المنتظر أو المرغوب.. سيكون مصدره.. أو صانعه.. أو مفجره.. هو الدولة. أو الحكومة.. أم أن الشعب بأكمله.. سيكون هو الفاعل والمخطط والمدبر.. لهذا المشروع المنتظر. أو المرغوب فيه؟! خاصة.. وأن الناس. بجميع فصائلهم. وتجمعاتهم.. وتوجهاتهم.. هم "الضحية".. الأولي والدائمة التي تلتهمها.. وتصادر حياتها.. المشاكل والمفاسد والجرائم التي تسود الحياة.. وإذا كانت السلطة. أو الدولة. هي التي تتقدم الصفوف.. وتتحدث عن الكوارث والمشاكل.. وتتحدث وتقترح البرامج والحلول. لما يواجه الشعب من الشرور. والمفاسد. إلا أن هذه السلطة.. وهذه الدولة.. لم تستطع حتي الآن. أن تجمع مشاكل المجتمع وقضاياه. داخل حزمة واحدة.. تتحدد فيها الأسباب.. والمؤثرات. الداخلي منها والخارجي. كما لابد وأن تتضمن هذه الحزمة. والرؤي المصاحبة لها.. والأهداف المبتغاة منها برامج عمل وحركة.. محددة الخطوات واضحة الغايات.. معروف من خلالها القوي والجماعات التي ستتولي مشروعات التغيير والعلاج. والملاحظ.. أنه لا يوجد سبب. أو مجموعة من المؤثرات. والدوافع والظروف.. تحول دون إقدام السلطة. علي مشروع متكامل للمواجهة والعلاج.. فما أكثر ما تطرحه من مبررات.. وما أكثر ما تتحدث عنه من معوقات.. لكن.. وفي نفس الوقت.. هناك ندرة كاملة.. وغياب تام.. لأي تصور أو إدراك حقيقي من جانب الأجهزة المسئولة.. لكيفية التعامل.. والتناول والعلاج.. لأي من المشكلات المجتمعية سواء كان علاجاً جزئياً.. أو جماعياً.. وسواء كانت أدواته وأساليبه.. شعبية ورسمية. *** ما يثير الحزن. والأسي.. هو التراكم المتواصل للأزمات.. فقبل أن تنجح السلطة.. في مواجهة قضية أو مشكلة أو أزمة. تجد نفسها وبلا مقدمات.. وبلا إدراك أو توقعات.. أمام مشاكل جديدة.. وقضايا وأزمات مفاجئة.. ولأن أجهزة الدولة. وللأسف الشديد قد استغنت أو تخلت بالكامل عن مفهوم التوقعات والاحتمالات.. خوفاً من المفاجآت.. وتركت نفسها.. وتركت البلاد. مفتوحة لكل طاريء أو جديد.. لذلك يداهمها كل لحظة وكل يوم.. القدر بالجديد والخطير والمفاجيء. ها هي "كارثة السيول".. أو مفاجأة السيول.. تحول حياة الآلاف.. إن لم يكن الملايين.. إلي جحيم. عديد من الجرحي والقتلي.. يقتحمهم ويقتحم حياتهم طوفان عنيف.. وبلا مقدمات. مساكن ومنازل. ومصانع وشركات ومؤسسات تحولها السيول المفاجئة إلي دمار.. وإلي حطام.. وإلي دماء ينزفها الضحايا.. لكن.. علينا أن نتساءل: هل هذه السيول ضيف مفاجيء.. ليس له بداية ولا مقدمات.. أم أنه كان ومازال أمراً متوقعاً. لابد من التنبه له وتوقعه.. واتخاذ الإجراءات المطلوبة لاحتوائه.. وتجنب آثاره المؤذية للناس وللمكان. الأمر المؤكد.. أن "السيول".. أمر متوقع.. وأن مسارات السيول وحركتها.. معروفة ومحددة.. وأن توقعها والسيطرة علي آثارها ونتائجها عملية طبيعية.. وسبق مواجهتها والتعامل معها. لكن الجديد.. أن السلطة والأجهزة المسئولة.. تركت الفوضي تسود.. وتركت "الناس".. تعتدي علي مسارات السيول.. وتبني فوقها المنازل.. وتقيم علي أرضها. أهرامات التعديات والمخالفات. وأكوام "القمامة". وبالتالي.. كان لابد من المياه المنهمرة خلال السيول.. أن تبحث لها عن طرق.. وممرات.. بديلاً عما استولي عليه البشر. . وأصبحوا وفجأة.. وأعني الناس أو المواطنين.. أصبحوا المعتدي.. وفي نفس الوقت المعتدي عليه.. فقد قطعوا مسارات السيول الطبيعية.. وبالتالي لم يبق أمامها إلا البحث عن طريق آخر. *** المؤسف.. أن السلطة التي تهاونت وتقاعست في القيام بواجبها ومسئوليتها. في حماية الطرق. ومسارات السيول.. هي نفسها المطلوب منها علاج ما حدث. من قتلي وجرحي. وانهيارات لمصانع ومنازل ومؤسسات.. ولا شك أن التكلفة لعلاج ما حدث من أضرار.. يمثل أضعاف ما كان مطلوباً للحماية والرعاية.. والملاحظ.. أن الخلل والإهمال.. وعدم التوقع أو الاستعداد والعلاج أصبح ظاهرة عادية.. فإذا انتقلنا إلي مشكلة أكثر صعوبة وتعقيداً.. وهي مشكلة الدولار.. نجد أن التعامل معها وعلاجها يسير بنفس العشوائية.. فلم نسمع من طرف من الأطراف.. الحكومية.. أو الشعبية.. محاولة للاقتراب الصحيح والمناسب. لاحتواء هذه القضية.. أو السيطرة عليها.. فقضية. مثل قضية "الدولار". وندرته.. والجرائم المحيطة به.. والمؤثرة فيه.. تحتاج إلي حلول غير تقليدية.. تحتاج إلي برامج ومشروعات مبتكرة.. تحتاج إلي ممارسة علي أرض الواقع.. من الشعب.. ومن جانب الدولة.. ممارسات من شأنها استغلال جميع الإمكانات.. والأدوات.. والقدرات الموجودة علي الأرض.. استغلال.. تتحول معه "المياه" المهدرة إلي عنصر نماء واستزراع وإنتاج.. وتتحول معه الملايين من الأراضي الزراعية. -المهملة-. إلي حقول ومزارع منتجة.. ويتحول معه الملايين الهائمة في الشوارع والطرقات.. وفي المدن والقري.. سواء منهم من اختار التسول طريقاً للعيش.. أو من اتخذ الجريمة. بجميع أشكالها وأنواعها سبيلاً للرزق.. نماذج عديدة ومتنوعة.. اندفع إليها المجتمع.. وغرق فيها.. وتفكك بسببها التماسك والتفاعل. الذي كان يميز الحياة المصرية.. حتي في أحلك أيامها.. نحن في حاجة ماسة. لإعادة النظر.. في سلوكنا.. وفي فكرنا.. وفي علاقاتنا.. وفي التنسيق المبدع والخلاق.. بينت فكر السلطة وسياساتها.. وبين جماعات وتجمعات وقوي الشعب المصري.. وأن يكون "الإبداع".. والإنتاج.. والإضافة.. والقضاء علي الفساد والمفسدين.. هو الأساس.. لتحرك مصري.. حكومي.. وشعبي.. لنخرج من هذه الدائرة المفرغة التي يحاول من خلالها كل طرف.. إلقاء المسئولية علي الغير.. وإلا كان المصير أكثر ظلمة.. وأكثر خطراً.