ماذا يعني كل هذا الفساد. الذي يتكشف كل يوم.. بل كل لحظة.. ولا يستثني أحدا.. سواء كان فردا.. أو مجموعة.. أو جماعة.. أو هيئة أو تنظيم؟ وسواء كان هؤلاء الذين تتكشف حقائقهم.. وتصرفاتهم وسلوكياتهم.. من أصحاب الثروة والجاه. أو كانوا من الناس العاديين.. أو أصحاب الحاجة والفقراء.. جميعهم وللأسف مشاركون في الفساد.. متعاملين معه.. بل ومروجين كل منهم له دور في نشر الفساد.. وكل منهم له نصيب فيه. ولهذا وغيره.. الظاهرة تنتشر وتتسع ولا تتراجع. ولهذا وغيره وتكشف الحقائق والوقائع والممارسات.. مظاهر وظواهر "مفزعة.." ومؤسفة. خاصة حينما تتضمن "قوائم الفاسدين.." والمفسدين.. وزراء.. ورجال أعمال وكبار الموظفين.. في أهم مراكز ومواقع السلطة.. خاصة أولئك الذين وبحكم مواقعهم ومسئولياتهم.. منوط بهم مواجهة الفساد والقضاء عليه. وعلي الرغم - من خطورة هذه الظاهرة.. والآثار المترتبة عليها.. وانعكاساتها المدمرة علي حياة الناس.. وعلي مستقبل الوطن كله. إلا أنها.. وفي نفس الوقت.. هي النتيجة الطبيعية لدولة ومجتمع ظل ثلاثين عاما متواصلة.. تحت حكم عميل.. ونظام فاسد.. جري تمكينه.. وتثبيته في كل أركان الدولة.. من أجل القيام بهذا الدور الإجرامي.. والقضاء علي كل مقومات المجتمع.. ونهب ثرواته.. وتفريغه من جميع عناصره وأبنائه المخلصين. ومن خلال هذه الصيغة الجهنمية لإدارة البلاد والعباد.. مدعمة ومسنودة من جانب قوي خارجية وأجهزة استخباراتية متعددة الجنسيات.. استطاعوا ان يصلوا بالشعب المصري.. وبالدولة المصرية إلي ما وصلت إليه الآن. الأمر الذي جعل العلاج.. وجعل القدرة علي المواجهة.. والتخلص مما ألم بنا. في غاية الصعوبة. *** فعلي الرغم من كل الجهود التي بذلت ومازالت تبذل وبقوة. وعلي الرغم من "ثورتي..".. 25 يناير 2011 و30 يونيه ..2013 وعلي الرغم من إزاحة "محمد مرسي".. ونظامه الإخواني.. إلا ان "المرض.." مازال "يعشش.." في كل ركن.. وكل جهاز من أجهزة الدولة والمجتمع. فضلا عن حالة الفوضي والضياع واليأس والفقر التي أصابت الأغلبية العظمي من أبناء هذا الشعب. حيث لم تكن مهمة "القوي الفاسدة.." والعميلة والمرتشية التي مسكت بزمام الأمور خلال الأربعين سنة الأخيرة من نهاية السبعينيات وحتي 25 يناير ..2011 لم تكن مهمتها وكما أشرنا سابقا.. سرقة البلاد.. وتدمير مقوماتها الاقتصادية والمادية. بل هو الأهم.. تدمير الانسان المصري أساسا - وسلبه أي احساس بالكرامة - أو بالثقة في النفس.. وهو ما تم زرعه ونشره في كل أنحاء الوطن. وبالتالي أصبحت "الفوضي..".. وسوء السلوك.. وفقدان الرغبة والقدرة علي العمل المبدأ والشعار الذي جري تعميمه. ولهذا.. فبقدر ما أصابتنا هذه الظاهرة من مصائب.. وبقدر ما وضعته فوق كواهلنا من مسئوليات شبه مستحيلة.. إلا أن الشخصية المصرية.. وبكل ما تجمع داخلها.. وفي ضميرها من خلال تاريخها الطويل ودورها الفاعل علي مر السنين. من خلال هذا وغيره.. مصر قادرة علي تجاوز هذه المحنة. شريطة أن تدرك وبقوة واصرار.. أن..:- * الصبر ضرورة. * والعمل الشاق والمتواصل لابد منه. * وأن المواجهة لكل التحديات والصعاب طريق وحيد للنصر. * كما علينا أن نعمق قناعتنا وإيماننا.. بأن هذه هي أول مرة أو آخر مرة نواجه هذا الوضع الصعب.. في أكثر ما مر ببلادنا.. وببلاد وشعوب غيرنا.. من صعاب وأزمات ومحن.. وبالاصرار والعمل والجهد.. يستطيع الانسان.. أن يواجه.. وأن يعالج.. وأن يقدم الحلول.. ويبدأ صفحات جديدة.. تبني وتعمر وتهزم كل التحديات. *** ولابد لنا.. ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة.. ونحن نتصدي لهذه الصعاب.. بل ونحن نعاني ونقاسي من نتائج سنوات الحكم الفاسد وآثاره.. أن نتذكر ونعرف ان مصر ليست هي الوحيدة من الدول والشعوب التي تمر بهذا المأزق.. بل الواقع يقدم لنا حالات مشابهة كثيرة.. في منطقتنا وفي جوارنا.. بل وفي كل العالم. فعالم اليوم تغير.. ويتغير كل يوم. وكل يحاول بطريقته وأسلوبه.. والكل يحاول من خلال تاريخه وخبرته.. ومن خلال أهدافه ومطامعه. إما أن تستمر هيمنته وظلمه للأخرين.. كما تفعل الدول الكبري.. وذلك بمحاولة فرض النظم الاستبدادية الظالمة التي مارسها علي مر التاريخ.. أو بمحاولة إثارة الفتن بين الدول.. والصراعات بين الشعوب.. ليظل الحال علي ما هو عليه وتغرق الانسانية في مواجهات وحروب.. داخلية وخارجية علي السواء. ومن هنا.. لابد من اليقظة.. ومن المعرفة بأدوات العصر ومتطلباته وفي هذا الإطار.. لابد وأن يغلب علي فكرنا.. وممارساتنا.. أهمية التعرف علي أدوات العصر.. من علوم وسياسات وأفكار وأيضا فلسفات ومفاهيم.. خاصة.. وأن العلوم الحديثة قد حملت معها الكثير من المعارف والأساليب والنظم والأفكار التي من خلالها اختصار العديد من الطرق.. والتغلب علي ما يبدو أو كان يبدو مستحيلا. من هنا لابد من التأكيد علي ضرورة الاهتمام بالتعليم.. وبالمعرفة.. ولابد من استخدام كل ما قدمه الإبداع العقلي والفكر العملي من وسائل ونظم للتعامل والمواجهة والتقدم إلي الأمام. *** من هنا.. كان من المحتم والضروري.. أن تتواكب مشروعاتنا وأفكارنا وطموحاتنا حول مصر وتطوير مصر.. مع فكرة أن تتسع الأهداف وتمتد لتشمل أهمية تعميق العلاقات والتعاون.. مع الأشقاء ومع الجيران.. حيث أصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تعيش الدول منفردة أو منعزلة.. شريطة ألا تأخذنا الأوهام.. أو الأحلام بعيدا.. فنغرق في الخيال.. ونبتعد عن الواقع.. فالأساس لابد وأن يبدأ في مصر.. وأن نعالج أنفسنا.. ونعالج واقعنا.. وأن نغير الموج من الأمور.. وأن نصلح الأرض التي نقف عليها.. ونبني الدعائم والأسس التي نتحرك بها ومن فوقها.. وعلينا أن نبتكر.. وأن نضيف.. وأن نخرج بعيدا عن مفاهيم "محلك سر..".. وأن ندفع بأبنائنا.. وشبابنا في اتجاه معارف أكثر.. ومجالات أوسع.. وإنتاج أكثر وفرة.. وأقرب إلي مطامح الناس وأهدافهم العليا. وعلينا.. ونحن نتوجه بعقولنا وقلوبنا. نحو هذه الأهداف العظيمة والنبيلة.. أن نهتم وبشدة بموضوع حيوي وهام.. وهو الجانب الأخلاقي.. والجانب السلوكي.. في تعاملنا.. ومعاملاتنا مع الغير.. سواء من داخل مجتمعنا أو من خارجه. حسن السلوك المطلوب.. والآداب المطلوب التعامل بها.. لابد وأن تكون سمة عامة.. وقناعة راسخة من جانب المواطن.. والمسئول.. وكل فرد من أفراد المجتمع. لأن العنصر الأخلاقي الشريف.. هو وحده القادر علي أن يقود الفرد والجماعة.. إلي الاتجاه الصحيح والسليم.. وهو القادر علي أن ينقل إلي الغير.. صواب أو خطأ هذا الشخص أو الجماعة. وهذا السلوك القويم.. هو القدوة.. وهو السلاح الذي يدافع به المجتمع عن أهدافه.. ومخططاته.. وسياساته.. وهو الحافظ والواقي من الانحراف. وهو ما يعطي الأمم والشعوب.. السمعة والمنعة والنموذج الذي تفخر به.. بل وتجذب به الأصدقاء والحلفاء. وأخيرا نقول.. ان سنوات الحكم الفاسد.. التي طالت لعقود أربعة.. لا يصح أن نتصور نهايتها بسرعة.. أو لأن الرئيس السيسي جاد في وضع نهاية لها. ذلك.. كما قلنا.. ان الفساد تسلل إلي النفوس والعقول والقلوب.. واخترق الكثير من المناطق المحظورة وعلينا الصبر.. والعزم والاصرار.. وهو رغم الوحوش المدافعة عنه.. والعاملة علي استمراره. إلا أن نهاية مؤكدة.. وعناصره وأبطاله مصيرهم الزوال. والشعب وإن كانت همته متكاسلة.. لكنه وفجأة.. يستجمع ويهب هبة رجل واحد.. وبعدها ومعها تبدأ مصر الجديدة.. وقد كنست الفساد والمفسدين ووضعت أقدامها علي الطريق الصحيح.. ولذلك فالفساد والمفسدون الحاليون.. رغم ضخامتهم.. يزحفون نحو النهاية.. وهي نهاية حتمية.. وقريبة.