ثلاث شخصيات مصرية بارزة توسطت لدي السيدة أمينة أحمد مراد حرم الشهيد السفير كمال الدين صلاح . لكي تقنعها بالموافقة علي زواج ابنتها الآنسة ¢ليلي¢ من الدبلوماسي الشاب أحمد أبو الغيط الذي تقدم رسميا لخطبتها.. ولم تقبل به الأم ..! - كانت السيدة أمينة صاحبة الشخصية القوية قد رفضت توسلات إبنتها التي ترغب في الإرتباط بهذا الشاب.. بكت الفتاة وذرفت دموعا كثيرة .. والسيدة أمينة علي موقفها الرافض لهذا الشاب. لأنها لاتري له أي مستقبل في الحياة.. فكيف تزوجه ابنتها..؟!! - كان ¢أحمد¢ قد شاهد فتاته لأول مرة عندما حضرت إلي منزلهم لزيارة شقيقته التي تربطها بها صداقة.. تعلق بالفتاة.. ثم بدأ يسعي للتقرب منها.. لم يجد صعوبة في التواصل معها تليفونيا .. لأن رقم التليفون مع شقيقته.. والشقيقة تبدأ بطلب الرقم والتحدث مع ¢ليلي¢ بعض الوقت. ثم تعطي سماعة التليفون ل ¢أحمد¢.. - لم تكن السيدة أمينة بعيدة عما يحدث.. شعرت أن إبنتها معجبة بأحد الشباب وتتحدث معه تليفونيا كل يوم لفترات طويلة.. فبدأت تراقب الموقف..!! - المحادثات التليفونية.. واللقاءات في بعض المناسبات بحضور الشقيقة.. أنبتت مشاعر الحب بين الدبلوماسي الشاب وفتاته ذات العشرين عاما.. حتي شعر كل منهما بأن حياته ومستقبله ومصيره مرتبط بالآخر.. - تقدم الدبلوماسي الشاب ¢أحمد¢ لخطبة الآنسة ¢ليلي¢ بنت السفير.. لم تقبل به السيدة أمينة.. قالت إن دخله محدود ولن يستطيع أن يوفر لابنتها المستوي المعيشي اللائق بها ..!! - لم تجد السيدة أمينة أسبابا أخري لرفض الدبلوماسي الشاب.. فهو يشغل وظيفة مرموقة.. وينتمي لأسرة عريقة.. والده اللواء طيار علي أحمد أبو الغيط.. وأصدقاء والده هم الفريق عبد المنعم رياض. والفريق صدقي محمود. والدكتور مراد غالب الذي كان ذلك الوقت يشغل منصب المستشار السياسي للرئيس جمال عبد الناصر.. إذن فالمستوي الاجتماعي الذي جاء منه هذا الشاب. لا يقل أبدا عن المستوي الاجتماعي للآنسة ¢ليلي¢ بنت السفير.. - دخلت الأم مع ابنتها في نقاش حاد. وصمم كل منهما علي موقفه.. الابنة أعلنت أنها لن ترتبط بأي شخص غيره.. والأم أعلنت أنها لن تزوجها لهذا الشاب. الذي لا تري له أي مستقبل في الحياة..!! *** أصداء القصة وصلت إلي وزارة الخارجية.. فقرر السفيران علي خشبة وجمال منصور التدخل باعتبارهما من أصدقاء الشهيد السفير كمال الدين صلاح.. حاولا بكل الوسائل اقناع السيدة أمينة القبول بالدبلوماسي الشاب أحمد أبوالغيط زوجا لإبنتها ¢ليلي¢.. ثم تطلب الأمر تدخل شخصية أخري كبيرة.. أقوي حجة وأكثر قدرة علي الاقناع. هو الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل.. الثلاثة أكدوا للسيدة أمينة أن الشاب أحمد أبو الغيط له مستقبل واعد . وأن الجميع في وزارة الخارجية يتحدثون عن صفاته الطيبة.. - في النهاية.. رضخت الأم للضغوط.. ووافقت علي زواج ابنتها لشاب لا تري له أي مستقبل في الحياة.. لم تكن الأم تعلم أن هذا الشاب سيصبح واحدا من ألمع فرسان الدبلوماسية المصرية. وسيشغل أرفع المناصب في السلك الدبلوماسي .. سفيرا لمصر في روما في التسعينيات. ثم رئيسا لوفد مصر الدائم في منظمة الأممالمتحدة من 1999 الي 2004. ثم وزيرا للخارجية من 2004 إلي 2011 ثم يحظي بتوافق واجماع ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية ليكون الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية اعتبارا من أول يوليو القادم إن شاء الله.. *** - لعل من الأسباب التي جعلت الأستاذ محمد حسنين هيكل يتدخل في هذا الموضوع.. أن أسرة الآنسة ¢ليلي¢ كانت معروفة علي نطاق واسع لدي مختلف الأوساط في مصر والعالم العربي. بدءا من أصغر شاب حتي الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا.. الذي تأثر بشدة عندما علم باستشهاد والدها السفير كمال الدين صلاح في الصومال.. - قصة ذلك تعود الي الخمسينيات من القرن الماضي . عندما اختارت مصر السفير كمال الدين صلاح عام 1954 ليكون ممثلا لها في المجلس الاستشاري الذي شكلته الأممالمتحدة من كل من مصر والفلبين وكولومبيا. ليتولي الإشراف علي الحكومة المحلية الصومالية حتي يتم تهيئة الصومال للإستقلال اقتصادياً وسياسياً.. - اختيار السفير كمال الدين صلاح لهذه المهمة يعود الي تاريخه المشرف في النضال ضد الإستعمار. منذ التحاقه بالسلك الدبلوماسي أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي. عندما عين في القدس فاشترك مع الشعب الفلسطيني في الكفاح ضد الإنتداب البريطاني. لذلك قررت السلطات البريطانية التي كانت تحتل مصر ذلك الوقت نقله الي اليابان ليكون بعيدا عن فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها. لكنه تمكن من العودة بعد ذلك الي لبنان وبدأ في توحيد صفوف الفصائل اللبنانية ضد الإستعمار.. فقام السفير البريطاني في القاهرة بالضغط علي الحكومة المصرية لإبعاده عن وزارة الخارجية. وتم وضع اسمه علي قائمة أعداء بريطانيا.. ثم تقرر إرساله الي سان فرانسيسكو بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.. نقل بعد ذلك الي اليونان عندما نشبت بها الحرب الأهلية.. ثم الي عمان.. ثم إلي تشيكوسلوفاكيا.. ثم الي دمشق.. هكذا ظلت تطارده تقارير المخابرات البريطانية. فيتم نقله من مكان إلي آخر كل فترة قصيرة حتي لايستقر في بلد واحد.. وعندما قامت ثورة 1952 اختاره عبد الناصر ليكون قنصل عام مصر في مرسيليا أكبر الموانئ الفرنسية. فاستطاع من خلال هذا المكان كشف أسرار شحنات الذخيرة التي كانت تقدمها فرنسا إلي اسرائيل.. *** - كان السفير كمال الدين صلاح من أشد المؤمنين بالقومية العربية. لذلك عندما ذهب الي الصومال جعل هدفه الرئيسي الحفاظ علي عروبة الصومال.. لكن مخابرات الاستعمار كانت تترصده . حتي كان يوم 16 أبريل عام 1957. عندما خرج من إجتماع للمجلس الاستشاري واستقل سيارته ليقودها بنفسه.. هجم عليه شاب صومالي اسمه محمد شيخ عثمان فطعنه بالخنجر 7 طعنات. فلقي الرجل ربه وهو صائم ..! - بكت الصومال كلها.. وخرجت صحيفة ¢كوريري دلاصوماليا¢ يوم 17 أبريل صفحتها الأولي باللون الأسود. وقد كتب عليها ¢يوم حداد للصومال¢.. أصر الصوماليون علي أن يقيموا جنازة عسكرية للشهيد السفير كمال الدين صلاح .. وصفتها الصحيفة في اليوم التالي بالقول: ¢تحرك موكب الجنازة في الساعة الرابعة و الدقيقة ال45 بعد أن وضع نعش الفقيد علي عربة مدفع تتقدمه فرقة عسكرية. و في صمت رهيب لا تتخلله إلا الزفرات والدموع تحرك موكب الجنازة. وخلف النعش القنصل المصري وعلماء الأزهر الشريف. والحاكم الإداري للصومال. و رئيس وأعضاء الجمعية التشريعية.ورئيس الوزراء والوزراء. وأعضاء المجلس الإستشاري. وأعيان البلاد ورجالها ونساؤها حتي أطفالها.. وبعد الصلاة علي جثمان الشهيد بالبرلمان الصومالي. وقد إسودت الأيام ونكست الأعلام كأنها أبت أن ترفع وسكتت المعازف وأبت أن تضرب. و أبت المقاهي والمطاعم والدكاكين والمكاتب إلا أن تكون مغلقة¢!! .. - لم يكتف الصوماليون بالبكاء علي رحيل السفير كمال الدين صلاح. وإنما أطلقوا اسمه علي الشوارع والميادين. وجعلوا من يوم رحيله يوما للشهيد يحتفلون به كل عام .. - نقل الجثمان الي القاهرة يرافقه وفد صومالي كبير وأقيمت له جنازة مهيبة .. ثم ذهب الوفد الصومالي لتقديم العزاء الي الرئيس جمال عبد الناصر .. فقال لهم عبد الناصر : ¢إن في مصر 27 مليون كمال الدين صلاح . كلهم مستعدون للإستشهاد من أجل حرية الصومال الشقيق¢ ..! - - في أبريل 1962 وجه الرئيس الصومالي دعوة رسمية الي السيدة أمينة مراد حرم الشهيد السفير كمال الدين صلاح و أولاده لحضور الذكري الخامسة لإستشهاده . فاستقبلهم الصوماليون استقبالاً رائعاً لم تر العاصمة مقديشو مثيلا له من قبل .. قال جامع عبدالله غالب رئيس الجمعية الوطنية الصومالية في كلمته بهذه المناسبة :¢إن الشهيد كمال شهيد النهضة السياسية في الصومال. بل قائدها منذ أن عين ممثلاً لبلاده في المجلس الإستشاري الصومالي عام 1954. و لم يكن يجاريه في نصره كفاح الأمة الصومالية منذ ذلك التاريخ أحد قط . ذلك لأن كمال كان جندياً مؤيداً للحركات التحررية أينما قامت¢.. - أما السيدة أمينة مراد فألقت كلمة وسط تصفيق حار قالت فيها: ¢لسنا حاقدين حتي علي محمد شيخ عثمان الذي امتدت يده إلي ظهر كمال فطعنته. إذ يكفي أن يكون محمد شيخ عثمان صوماليا ليستحق من كمال وهو في جوار ربه. و منا نحن أسرة كمال الدين العفو و المغفرة. فقد كان هو كما كانت الشعوب الأخري الكثيرة في أفريقيا وآسيا ضحية لمؤامرة كبري غايتها أن تزرع بيننا الأحقاد وأن تضللنا و أن تفرقنا.. وما أيسر أن يقع في شباك أعدائنا شباب قليل التجربة لا يعرف أين تكون مصلحة وطنه¢..!! *** - هذه هي قصة استشهاد السفير كمال الدين صلاح الذي لقبوه ب "جيفارا" الصومال .. والد السيدة ليلي حرم السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية.. - البقية في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالي..