* التكدس.. الزحام.. عبء تشعر وكأنك تحمله علي كتفيك.. بمجرد أن تستيقظ من النوم.. تفتح النوافذ لضوء الشمس.. فوراً يتناهي إلي سمعك موجات متلاحقة من الصراخ والضجيج والألفاظ غير المفهومة.. مختلطة بأصوات الباعة الجائلين. الذين يعرضون ما يحملون من خضراوات وفاكهة.. يجمعها سيمفونية الضوضاء مجهولة المؤلف.. سيمفونية تطاردك مهما كان مسكنك.. في حي هادئ أو شعبي.. قرية أو مدينة.. أو حتي فيلا علي مشارف طريق سريع.. سيمفونية "سماعي" ربما تقطعها المصادفة.. في صورة دعاء الكروان.. أو نشيد يصدح به بلبل أخطأ طريقه من الحدائق والجنان إلي المصيدة.. أو علبة السردين المكدسة بالبشر. قد يثير البلبل والكروان أشجانك.. إذا ما كانت مشاعرك مازالت دافئة. ولكنه التأثير الوقتي.. المؤقت.. يترك في النفس ما تفعله وخزة الإبرة.. عند العلاج.. وربما يجعلك تنتبه إلي حتمية الخروج من الأزمة.. إلي ما يقرأ أو يسمع عنه في بلاد أخري. تحررت من خطايا أخطار الضوضاء.. والتي للأسف تتجدد. لتؤثر علي الأجيال القادمة. تغير من سلوكيات مفترضة.. تركها لنا الأجداد منذ آلاف السنين.. من خلال متعايشهم مع النهر العظيم.. الذي لم تعرف مياهه النوات والأعاصير والموجات الغاضبة.. بل علمهم وعلمونا بالتالي الهدوء والصبر والتأمل.. وجميع مقدمات الحكمة.. وعندما كان الفلاح يشعر بثقل الزحام في حدود قرين.. ينتقل فوراً إلي الحقل. حيث شهرته المفضلة في كوخ صغير.. يتأمل الخضرة والمياه الزرقاء.. والسماء الصافية.. ويحضر أهازيج فرحة الحصاد.. بأغنيات ألحانها مجهولة. لكنها عاشت للآن. لكن النهر أيضاً مسئول بشكل أو بآخر.. عن التكدس السكاني حول الشريط الأخضر والدلتا.. وبمرور الزمن انحسرت الرقعة الزراعية إلي ضفتي النيل والدلتا.. وأصبح السكان يعيشون في سدس مساحة الوطن.. تقريباً.. وتوالت المحاولات لبناء المدن واستثمار الشواطئ.. وأقيمت المساكن علي أراض زراعية.. ورُدمت ترع وقنوات مائية. مازالت أحياء سكنية تحمل أسمائها.. ومع سكن الأدوار العالية. تحول الهمس إلي صرخات.. وتحالفت المتغيرات المجتمعية نتيجة إفرازات الزحام والتكدس.. والعشوائيات. وحتي الأبراج. وللذين ينبهرون عند تواجدهم في أوروبا وأمريكا وبعض الدول العربية.. من هدوء بالشوارع والطرق السريعة.. وعدم اختراق الآذان لصوت آلة التنبيه بالسيارة.. والهدوء في الأماكن العامة.. ورغم انخفاض معدلات الضوضاء.. يحرصون علي اعتماد الوسائل العلمية لحماية المارة.. مثل ألواح امتصاص الضجيج. ومقاييس الحماية والعزل المطبقة بكل دقة.. وانبهار هؤلاء يحدث لخطواتنا البطيئة التي تتم للحماية. وفي أماكن بعينها.. وفي نفس الوقت. تصاعد طوفان التلوث السمعي.. متأكدون ولو في داخل أنفسهم ليوم يتحقق فيه الأمل. ويتحقق السلوك الحضاري.. ليس بالتخلص الكامل.. فهذا صعب. وسيمثل مع ما نلحق من فوضي في الطرق والمقاهي والمتنزهات. بل والمستشفيات. وأماكن الراحة. ولكن علي الأقل بمواجهة مجتمعية حكومية ناضجة. تبدأ بقلب المشكلة الذي يصعب تحديده.. وإن كانت المؤشرات تتوجه إلي مزيج المركبات وأصحاب هواية التلوث السمعي والبصري.. بفوضي لا يمكن تنظيمها.. لو أردنا.. الوصف المناسب لها هو العشوائية والإصرار علي الإضرار بالآخرين.. دون شفقة بحالات تستحق الرعاية. في الشارع. أو المجتمع من حولنا.. وربما تكون داخل المنزل نفسه.. فكما تتحالف آلات التنبيه و"السريحة". في هجوم نشاز علي أذن المارة. ومستخدمي الشارع.. لا نستطيع الوقوف أمامها.. أو تفعيل مواد القانون تجاهها.. قد يحدث في المنزل.. سلوكيات سمعية ملوثة.. من الأبناء. رفع أصوات المذياع والتليفزيون وخدمات الدراما بوسائل التواصل الاجتماعي.. ولا نستثني الشجار "الهزار" المنزلي.. أو الصراخ الذي يقتحم الأذن من جيران يعلمون أن لديك مريض. أو طالب يذاكر.. وهي سلوكيات فقدنا للأسف مفاتيح الحل بالنسبة لها.. ولا ندري كيف نستعيد. ما نفع الأجداد من تركيز وهدوء.. بنوا به الكثير. * الذي نحذر منه في خاتمة المقال.. مشاركة المدرسة في التلوث السمعي.. ودعم ثقافة الضوضاء. من خلال انتشار الميكروفونات عالية الصوت. عديمة الجدوي في المدارس.. وزيادة نسبة تشغيلها منذ الصباح الباكر. ليس فقط مرافقة لطابور الصباح. ولكن خلال ساعات اليوم الدراسي. حيث تستخدم في توجيه الطلاب للذهاب للفصول. وضبط المزوغين. والنداء علي الأساتذة للحضور إلي مكتب المدير.. وكأنها نهاية العالم.. صدقوني الحاجة ملحة إلي إيقاف هذه الظاهرة المرضية.. حتي لا تتحول وزارة التعليم إلي داعمة للتلوث السمعي.. وتزيد الفوضي التي نشعر بها في الشارع.. وتطاردنا حتي البيوت.