تعرضت المملكة العربية السعودية خلال أسبوع واحد لتفجيرين انتحاريين داخل مسجدين للشيعة أحدهما يحمل اسم الإمام علي بن أبي طالب في الدمام والثاني يحمل اسم الحسين سيد الشهداء في القديح. وكلا المسجدين في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية. التفجيران نفذهما شابان سعوديان يحملان عقيدة لا تتصادم في أساسياتها مع عقيدة المصلين. الاختلاف فقط في المذهب والرؤية وهذا أمر طبيعي بين البشر بعد أيام قلائل من هذين التفجيرين أصدرت داعش بيانا تتعهد فيه بتطهير شبه الجزيرة العربية من الشيعة. لفت نظري تصريح أدلي به الرئيس النيجيري الجديد محمد بخاري قال فيه ان جماعة بوكو حرام التي تقتل وتخطف الفتيات ما هي إلا مجموعة من المجانين الخارجين علي الإسلام. أصبت يا سيادة الرئيس لكن بوكو حرام ليست المجموعة الوحيدة التي تنفرد بالجنون في العالم الإسلامي. الدواعش مجانين والذين يتنكرون في زي النساء ويفجرون أنفسهم أكثر جنونا والذين يدعون إلي تطهير الجزيرة العربية من الشيعة مهاويس ودعاة فتنة ومجانين وكذلك الذين يدمرون الآثار والتراث الإنساني وتخامرني شكوك قوية في أن تكون هذه الأعمال صادرة عن مسلمين حقيقيين. إن ما يجري في العالم العربي من فرقة واقتتال وكراهية وطائفية ومذهبية ومناطقية أمر يعجز العقل والفكر أن يقبله. وأخشي ما أخشاه أن يكون المسلمون علي أبواب حرب ثلاثينية جديدة وهم في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين والحرب الثلاثينية لها مفهومان مختلفان الأول يقصد به الحروب التي نشبت بين العرب واسرائيل في الفترة من 1956 وحتي 1985 أي ثلاثين عاما بداية من صراع السويس إلي احتلال لبنان وهذا ليس المعني المقصود ما أقصده هو ان هناك نقاطاً تماثل بين ما يجري اليوم في المنطقة وما جري في أوروبا قبل أربعة قرون. فقد شهدت أوروبا من 1618 وحتي 1648 ما عرف بحرب الثلاثين عاما وكانت حربا دامية علي أسس مذهبية داخل الديانة المسيحية بين الكاثوليك والبروتستانت وجاءت بعد قرن أو يزيد من حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر ودخلت علي أثرها أوروبا في حالة من الفوضي والاضطراب دامت قرنا من الزمان وبلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاما وكانت هذه الحرب سلسلة من الصراعات الدامية في الأراضي الألمانية التي كانت تعود في ذلك الوقت إلي الامبراطورية الرومانية لكن اشتركت فيها تباعا معظم القوي الأوروبية فيما عدا انجلترا وروسيا وفي مراحل لاحقة من الصراع امتد القتال إلي فرنسا وهولندا وايطاليا وعلي الرغم من ان الحرب جرت في بادئ الأمر تحت غطاء ديني إلا ان الدوافع الاقتصادية والسياسية وشهوة السلطة تداخلت في الحرب وهذه نقطة تماثل ما يجري في المنطقة لدينا الآن فالحرب في المنطقة تبدو مذهبية دينية لكن تحركها في الواقع دوافع اقتصادية وشهوة السلطة والمطامح الاقليمية والرغبة في النفوذ. ثمة نقطة تماثل أخري بين حرب أوروبا منذ أربعة قرون والوضع الحالي في المنطقة الإسلامية وهي استخدام المرتزقة فداعش علي سبيل المثال تستقطب مقاتلين من عشرات الدول. كانت حرب الثلاثين عاما في أوروبا مدمرة وماحقة ويقول ويل ديورانت في موسوعة قصة الحضارة ان حرب الثلاثين هبطت بسكان المانيا من عشرين مليونا إلي 13 مليونا ونصف المليون وكان هناك وفرة في النساء وندرة في الرجال وعالج الأمراء المنتصرون هذه الأزمة بالعودة إلي تعدد الزوجات وانتهت الحرب بصلح ويستفاليا وهي مقاطعة في المانيا وأرسي هذا الصلح نظاما جديدا في أوروبا مبنياً علي ثلاثة مبادئ هي السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية ومبدأ الولاء القومي أي للدولة وليس للمذهب وما أحوجنا نحن العرب لما أرساه الأوروبيون منذ أربعة قرون.