الدوام لله وحده.. كل يوم تتناقص ثروتنا القومية من الكتاب والصحفيين الذين أثروا حياتنا وتركوا لنا تراثاً يعتز به كل مصري.. ذهبت الي مكتبي بقسم الأخبار بجريدة "الجمهورية" وفاجأني النبأ من الزميل شريف الملاح الذي لم أجد غيره بالقسم يقول لي والحزن يكسو وجهه البقية في حياتك.. الاستاذ محمد إسماعيل مات! وذهب الزملاء لوداعه الي مثواه الأخير! ولم يكن لي من حول ولا قوة إلا أن أردد: سبحانك ربي لا راد لقضائك ولا معقب لحكمك وقولك الحق.. "بسم الله الرحمن الرحيم وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت".. توفي الراحل الكريم بعد عودته لمنزله من زيارة لجامعة بني سويف تم خلالها تكريمه لمشواره الصحفي الطويل.. رحل وبقي لقبه "سيادة السفير" كما كان يناديه به العاملون بالمؤسسة بحكم عمله الممتد في تغطية أخبار وزارة الخارجية لأكثر من ربع قرن.. رحل عميد المحررين الدبلوماسين وترك مدرسة صحفية تؤمن إيماناً راسخاً بصدق التعبير وشجاعة الرأي والألتزام بنشر الحقيقة وان الصحافة رسالة وأمانة ولم ولن تكون مهنة ارتزاق.. كان يعتبر نفسه وقلمه خادماً لقضايا الجماهير.. كان شريفاً أميناً عفيفا يحترم ذاته الي اقصي الحدود.. كان هادئاً مع نفسه ومع زملائه ومحبيه.. صديقاً للجميع وكان في صداقته محباً فكل زملائه وكل من يتعامل معه يحملون له اجلالا واحتراما وتقديراً.. الراحل كان بحق نموذجاً للكاتب احترم قلمه وعشق مهنته واخلص لها.. سبحانك يارب.. قبل وفاته بيوم واحد رأيته يمر علي المكاتب يفيض حيوية ونشاطا يحيي الزملاء والزميلات في مكاتبهم يبتسم لهم ويلوح بيده.. لقد أحزنني كثيرا أن يغيب عن عالم الصحافة المصرية احد فرسانها الحقيقيين الذين لم يبخلوا علي المهنة عطاء وصدقا وحرفية واثراء واحزنني أكثر انني لم اكن في شرف وداعه الي مثواه الأخير حيث لم اعرف بنبأ وفاته إلا بعد تشييع جثمانه.. لقد رحل الكاتب الكبير والصحفي القدير وبقي مثالا بعمله وصفاته وسلوكه لكل من يريد ان يمارس مهنة القلم بالحب والكرامة والنزاهة.. لقد اعتدت ان اراه دائماً مبتسما بشوشا متحمسا لعمله وكنا نتخذ من مكتبه استراحة نفسية نستمتع بتعليقاته.. كان يقدم لنا دائماً الصورة المثلي للصحفي الشريف وأعطي للمهنة أكثر مما اخذ وأخذ منها اقل كثيرا مما أخذ البهلوانات والحواة!.. انه بحق واحد من الأسماء والرموز المتفردة في بلاط صاحبة الجلالةة الصحافة.. ولا نملك نحن الذين عرفنا الراحل محمد إسماعيل عن قرب إلا القول: بأننا قد فقدنا صديقاً وإنساناً وكاتباً يحترم قلمه ونبتهل إلي الله سبحانه وتعالي ان يفيض عليه واسع رحمته ومغفرته ورضوانه وان يجعل الجنة مثواه وستظل سيرته العطرة إلهاما لتلاميذه وزملائه وأصدقائه فذلك وحده هو أكبر تكريم لذكراه.. وداعا يا أعز صديق. "إنا لله وإنا إليه راجعون".