يري بعض الفقهاء المعاصرين عدم مشروعية القيام بالمظاهرات السلمية وتحريمها. حتي وإن كان القانون الوضعي يسمح بها كوسيلة احتجاجية علي الظلم والاستبداد. بل هي أسلوب فوضوي شيطاني.. وإلي هذا ذهب الشيخ محمد ناصرالدين الألباني وغيره من المنتسبين للفكر السلفي واستدلوا علي ذلك بعدة أدلة لم تسلم من المناقشة يمكن إجمالها في أربعة أدلة: "1" إن وسيلة المظاهرات في التعبير عن الحقوق وسيلة مستحدثة ليست من عادة أصحاب رسول الله "صلي الله عليه وسلم". فتكون بدعة مردودة. لما أخرجه الشيخان عن عائشة أن النبي "صلي الله عليه وسلم" قال: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".. وفي رواية لمسلم: "مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".. وأخرج مسلم عن جابر أن النبي "صلي الله عليه وسلم" كان إذا خطب يقول: "أما بعد. فإن خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمد. وشر الأمور محدثاتها. وكل بدعة ضلالة". وأجيب عن ذلك بأن المظاهرات ليست بدعة. بل قد أشار إليها الرسول "صلي الله عليه وسلم" للرجل الذي آذاه جاره أن يطرح متاعه علي طريق. وعلي التسليم ببدعية المظاهرات. فهي ليست من البدع المحرمة. لتعلقها بوسائل الحياة. أما البدع المحرمة فهي المتعلقة بتحريف العبادات كالصلاة والصيام. "2" إن المظاهرات غربية النشأة. وهي من وسائل الديمقراطية التي ابتدعوها. وقد نهينا عن التشبه بغير المسلمين. خاصة أن عندنا "نحن المسلمين" وسائل شرعية للتعبير. منها النصح وتغيير المنكر باليد واللسان والقلب. فقد أخرج أبوداود بإسناد حسن عن ابن عمر أن النبي "صلي الله عليه وسلم" قال: "من تشبه بقوم فهو منهم". وأجيب عن ذلك بأن التشبه بغير المسلمين المنهي عنه هو ما يتعارض مع نصوص الشريعة ومقاصدها. أما غير ذلك فيجوز التشبه بهم فيما يعود علي المسلمين بالنفع والمصلحة. "3" إن المظاهرات أجيزت في النظام الديمقراطي لخروج المعارضة علي النظام الحاكم وتمكينها من إثبات وجودها في الشارع طمعاً في الوصول إلي الحكم في الانتخابات التالية. فيما يعرف بتدوير السلطة. وهذا المعني يتعارض تماماً مع مقاصد الشريعة في نظام حكمها القائم علي الاستقرار. ولذلك جاء الأمر بالسمع والطاعة. كما جاء النهي عن الخروج علي الحاكم. وأجيب علي ذلك بأن الأمر بالسمع والطاعة وأن النهي عن الخروج علي الحاكم مقيد بالأمور الجامعة التي لا تحتمل الاختلاف. كما أنه مقيد بحال عدم الإذن بالخروج. والمظاهرات ليست من ذلك. "4" إن المظاهرات تتعارض مع قاعدة "أعظم المصلحتين وأهون المفسدتين". لما تفضي إليه المظاهرات من فساد النفس والمال ونزع هيبة الدولة. وأجيب علي ذلك بأن المصالح المرجوة من المظاهرات أعظم بكثير من المفاسد المتوقعة. وكيف نتكلم عن هيبة الدولة. وكان الأولي أن نعظم كرامة الإنسان ومشاركته في شئون البلاد. فلن تكون للدولة هيبة من دون كرامة الإنسان. كما قال تعالي: "ولقد كرَّمنا بني آدم" "الإسراء: 70".