إذا نظرنا لخارطة الكره العربي لصدمنا بواقعنا، إذ يبدو أن خصومات الدكتاتوريين العرب ومعاركهم، على مدار العقود الماضية، ساهمت في تفشي كراهية الشعوب العربية لبعضها، فحتى عند تصالح الدكتاتوريين قرب قممهم التي يعقدوها كل عام، تبقى الشعوب العربية أسيرة لخطاب الكره الذي روجت له ورعته أبواق الإعلام في كل بلد عربي، وبات السؤال لماذا يكره الجزائريون المغربيين والسودانيون المصريين واليمنيون السعوديين.. ما اﻷسباب؟ في ظل حالة الجهل التي ما زالت تحكم واقع كثير من المجتمعات العربية، تصبح الكراهية ناراً تستعر تحرق المجتمع وتفكك ترابطه وتثير النعرات والحروب الأهلية، تنهي أي تفاهم وتناغم مجتمعي، وتحدث الرغبة في الانتقام وتنشر ثقافة تبرير العدائية والعنف والاعتداء على الآخرين. ومن مستنقع الكراهية توعدت نائبة كويتية بفرض قانون يستهدف المصريين في الكويت وقالت إنه مدرج على جدول أعمال البرلمان، وانتقدت النائبة صفاء الهاشم التي درجت على إطلاق تصريحات ضد الوافدين بشكل عام في بلادها مطالبات مصرية بفرض رقابة على أموال السوريين في مصر، وقالت: “هناك تقرير ينبغي إقراره لفرض ضريبة على تحويلات المصريين من الكويت”. ذباب السيسي وتستوعب مصر ثقافات وسمات كثيرة لمواطني دول متباينة، ولا تعبأ كثيرا بتعدد ونوع اللاجئين الذين اتخذوا منها مستقرا وملاذا، ورغم الارتفاع الكبير في أعداد هؤلاء إلا أن الحكومة في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي رفضت استقبالهم داخل معسكرات ومراكز إيواء، وفضلت انتشارهم وذوبانهم بين إخوانهم المصريين، إلا أن الأمر تغير بعد الانقلاب. فمن الهاشم في الكويت إلى ذباب السيسي على الانترنت، ومهمته الدفاع عن سياسات العسكر ومهاجمة معارضي الانقلاب، ودشن مؤخراً حملات ودعوات لمقاطعة محلات السوريين بمصر، بينما تمادت حسابات آخري مؤيدة للعسكر بوجوب طردهم، زاعمين أنهم مؤيدون للضربة الأمريكية على مواقع بشار الأسد، الذي يؤيده السفيه السيسي، بالإضافة إلى نشاطهم الاقتصادي الناجح بمصر والذي يضر بالاقتصاد الوطني حسب زعمهم. أحد هؤلاء الذباب يدعي محمد حجازي، ويطلق اسم “شاى سكر برا” على حسابه عبر تويتر، كتب :”شاورمة أبو مازن السوري وأبو علي الحلبي وأنس الدمشقي وكل الشاورمات يؤيدون ويبايعون الرئيس ترامب لضربة جوية أخرى”، لترد عليه إحدى الذبابات بقولها: “كلاب”! بينما قال حساب آخر: “بدأت حرفيًا أشوف كابوس اللاجئين في مصر قدام عيني كل اللى واعي على كم توغلهم وتملكهم لشقق ومحلات في أغلى حتت ورفعهم لأسعار العقارات بطريقة مريبة وتكتلهم في أحياء سكنية كاملة ليهم عارف الخطورة أد إيه؟ اللى لسه مش مدرك جسامة المشكلة يا سطحي يا مستهبل عشان عجباه ستاتهم”. وفي مصر لا يكف إعلام العسكر عن نشر الكراهية تجاه ثورة 25 يناير وجماعة الإخوان المسلمين، ونشر العداء لتركيا وقطر، في حين نجد التسامح على أقصى درجاته مع كيان العدو الصهيوني، الذي أرسل له السفيه السيسي طائرات إطفاء لحرائق الغابات، يقول الكاتب الصحفي أنور مالك:” بلا أدنى شكّ أن بذور الكراهية كانت موجودة وبأمس الحاجة إلى من يسقيها حتى تنمو وتترعرع داخل الأوطان، وتتحول إلى غابة من أوبئة تصنع الحروب الأهلية والصراعات الشعبية، وصلت لدرجة أن يقتل الأخ أخاه بسبب خلاف في الفكر أو الموقف أو الانتماء”. مضيفاً:”تصاعدت ظاهرة الكراهية حيث وجدت حكاماً يؤججونها ورجال دين يشرعنونها وإعلاميون يروّجون لها وسياسيون يحرّضون عليها، ولم تعد هذه الكراهية كما كانت من قبل في دوائر محدودة بل تجذّرت وبلغت العظم الإسلامي حتى تحوّل الدين الذي يدعو للمحبة إلى مجرّد وسيلة لدى تنظيمات وجماعات تقطع باسمه رؤوس الأطفال وتبقر بطون الحوامل”. وتابع:”للأسف كانت أوطاننا الإسلامية من قبل قد وجدت المستعمر الغربي أمامها تكرهه وتشغل غريزة الكراهية به، وتفطن الغزاة لذلك وتحوّل الاستعمار من غزو عسكري إلى فكري وهيمنة من بعيد على عقول الحكام والمحكومين، وتميّعت الكراهية وصارت في كل شيء، حتى بلغ بنا الحال إلى أنه بين كل شخصين تجد الكراهية ثالثهما وإن اختلفت الدرجات طبعاً”. التعبئة ضد الجزائر وتساءل الكاتب والمترجم د.طلعت شاهين :”ماذا يعني أن يكره شعب شعباً آخر؟”، وقال:”إنه أمر غريب لأن الحب أو الكراهية يمكن أن تكون بين أفراد وليس بين جماعات أو شعوب أيا كان العداء بينهم، فكم من عائلات مصرية لها امتدادات في بلدان مثل السعودية أو ليبيا، وبعد موجات الهجرات الحديثة بسب انتقال المصريين للعمل في السعودية والإمارات والعراق وغيرها من البلدان العربية حدثت علاقات تزاوج فردية بين المصريين وتلك الشعوب التي تسكن تلك البلاد سواء على مستوى الصداقة والجيرة أو بالزواج مما خلق نوعاً من التداخل أصبح امتدادا للتداخل التاريخي الذي تعيشه منطقتنا العربية”. وأوضح “بعد الأحداث المؤسفة التي وقعت على اثر مباراة كرة قدم بين مصر والجزائر عام 2010، فإن تفسير تلك الأحداث يدفع بنا بالضرورة إلى أسباب أخرى ليس لها علاقة بمشاعر الحب أو الكراهية إن الأسباب الحقيقية وراء ما جرى توجد في الأزمة التي كان يعيشها مبارك وبوتفليقة، وهي أزمة مستحكمة جعلت كلا النظامين يبحث عن أسباب لتعبئة الجماهير ضد أي شيء يتحرك ليبين للدنيا أن شعبه يقف من ورائه والحقيقة غير ذلك تماما، فمن خرجوا في تلك المظاهرات للتعبير عما أراده لها من أخرجهم يمكنهم أن يخرجوا في مظاهرة أخرى مضادة ضد من حركهم لو وجدوا من يدفع بهم إلى الشوارع، فمن كانوا معك بالأمس يمكنهم أن يكونوا ضدك غداً”. وأكد “النظام الجزائري أيام بوتفليقة كان يعيش أزمة أساسها الفساد الإداري والاقتصادي الذي جعل دولة تنتج وتصدر البترول والغاز بالمليارات يعيش أبناؤها في فقر يدفع بهم إلى الموت تحت ضربات أمواج المتوسط بحثا عن مهرب، الأمر نفسه بالنسبة لنظام مبارك الذي إضافة إلى الأزمات والفساد الإداري والاقتصادي حاول تمرير ملف التوريث ووظف كل إعلامه الرسمي وللأسف تبعته وسائل الإعلام المسماة بالمستقلة”. وتابع:”لو دقق المحلل قليلا في وجوه المتظاهرين أمام السفارة الجزائرية لوجد فيها نفس الوجوه التي أطلقها الحزب الوطني لإرهاب الناخبين خلال انتخابات الرئاسة ومجلس الشعب قبل ثورة 25 يناير، والأمر لا يحتاج إلى تعليق لأن التعبئة ضد الجزائر في تلك المظاهرات فاقت التعبئة الجماهيرية ضد إسرائيل خلال حرب أكتوبر”.